بقلم بديع يونس
«أساس ميديا»
على مدار قرابة 25 عاماً، نجح الحزب في إقناع الرأي العام بوجود قرار دولي يمنع تسليح الجيش اللبناني وتمكينه بسبب “فيتو إسرائيلي” يرفض وجود بلد جارٍ للاحتلال يمتلك قوّة عسكرية نظامية رادعة.
في الأمر بعض من الصحّة وبعض من المغالطات، الرفض الإسرائيلي قائم طبعاً (بخاصة لدى رئيس الوزراء المتطرّف بنيامين نتنياهو)، إلا أنّ رفض تسليح الجيش اللبناني ليس مطلباً حصرياً لإسرائيل، بل الحزب شريك فيه أيضاً.
لماذا يرفض نتنياهو؟
يستفيد “المتطرّف” بنيامين نتنياهو ومعه حكومة تل أبيب من “التطرّف المضادّ” لتحقيق أهدافه في منطقة الشرق الأوسط عامّة، سيما منها إرساء ردع طويل الأمد وتعديل موازين القوى في المنطقة عامّة. يرى أنّ تفوّقه العسكري قادر على استغلال الذرائع التي أهداه إيّاها “محور الممانعة” لإعادة نفوذ إيران إلى ما وراء حدودها الجغرافية، وعدم تمكين طهران من الاستمرار باستعمال أدواتها الإقليمية ومنعها من ابتزاز المجتمع الدولي عبر تلويحها بتصعيد قد يجرّ المنطقة إلى حرب إقليمية.
في قطاع غزة، وجد نتنياهو وحكومته في أحداث 7 أكتوبر ذريعة لتحقيق أهدافهما بالقوّة المضادّة، فكان ما اقتُرف يومها “هديّة” له ولمشروعه المتطرّف للتقدّم نحو تحقيقه ومسح القطاع وتهجير أهله.
كذلك الحال في لبنان. حين أعلن الحزب (بتوجيه إيراني بحت) في 8 تشرين الأول إطلاق “حرب المساندة والمشاغلة” (التي أخبره الحرس الثوري أنّها ستكون نزهة وفقاً لتقديراته)، واستبعد الحزب أن تقوى إسرائيل على فتح عدّة جبهات، وأهمل عدّة تحذيرات أتته من دول في العالم حول نيّة تل أبيب استهداف قياداته الميدانية والعسكرية، كانت “الهديّة” الثانية لنتنياهو (بعد غزة).
تحت هذه الذريعة، تحقّق تل أبيب أهدافها ولا تزال. فيما الحزب بدوره لا يزال مصرّاً على تقديم “الهدايا” على حساب أهل لبنان والجنوب خصوصاً، كما البقاع وبعلبك، بالقول “الكلمة للميدان”، ويعلن أمينه العامّ نعيم قاسم أنّ “أيّ حلّ دبلوماسي للحرب لا يتمّ إلا بشروط الحزب”.
هذه التصريحات والقرارات التي يتفرّد بها الحزب على حساب لبنان واللبنانيين تناسب نتنياهو تماماً. هو الذي يعلم أنّ عدم وجود الحزب المسلّح سيمنع مشروعه التوسّعي والعدواني تجاه لبنان، ولا بدّ له أن يعارض تمكين الجيش اللبناني وحصر السلاح بيده، إذ يعلم تماماً أيضاً أنّ الجيش يستمدّ فعّاليّته، ليس فقط من قدراته، بل من كونه يمثّل دولة عضواً في الأمم المتحدة وفي المجتمع الدولي على غرار كلّ من المملكة الأردنية وجمهورية مصر اللتين على الرغم من تفوّق الجيش الإسرائيلي العسكري عليهما تحمي أراضي تلك الدولتين الاتّفاقات والقرارات الدولية والمظلّة الأممية.
بالتالي بات مفهوماً رفض نتنياهو لـ”تمكين” الجيش اللبناني. لكنّ المستغرب هو التقاء هذا الرفض مع منع الحزب لـ”تسليح” الجيش اللبناني.
“كيف” منع الحزب “تسليح” الجيش؟
يعلم القاصي والداني أنّ النقيض لا يمكن أن يوافق على نقيضه. كما يعلم اللبنانيون أنّ الجيش اللبناني “القادر” سيسحب الحجّة والبساط من تحت الحزب المسلّح بعد أن تنتفي الحاجة إلى هذا الحزب بشكله الحالي (المسلّح) فتقوم الدولة التي تحتكر القوّة وتضبط الحدود وتبسط الأمن وتمثّل الشعب انتخابياً بدون قوّة أمر واقع تفرض بالسلاح حيناً وبالقوّة أحياناً أجندات غير لبنانية في الحياة السياسية والاقتصادية واليوميّة.
إنّ رفض الحزب لـ”تسليح” الجيش يحمل في طيّاته سببين، أحدهما داخلي والثاني إيراني. وقبل الدخول بهذين السببين لا بدّ من إثبات كيف رفض الحزب تسليح الجيش:
1- عارض الحزب طوال السنوات الماضية تسليح الجيش من خلال وجوده في الحكومات المتعاقبة، واختبأ لتحقيق مراده وراء رؤساء جمهورية تابعين له (إميل لحّود وميشال عون).
2- حصل يوماً أن أوقف وزير الدفاع آنذاك الياس المر ثلاث شاحنات في الحازمية مليئة بالأسلحة وصادرها لمصلحة الجيش فكان مصيره تفجير بسيارة مفخّخة، ولم يستطع “حماه” إميل لحود من حمايته.
3- عام 2008، عرضت روسيا إمداد الجيش اللبناني بخمسين طائرة وطوّافة. رفض الحزب علناً بلسان أمينه العامّ آنذاك حسن نصرالله وأوعز القرار الرسمي بالرفض إلى الحكومات التي يسيطر عليها.
4- في عام 2014، خصّصت المملكة العربية السعودية منحة قدرها 3 مليارات دولار لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي. وبدأت فرنسا بإنتاج أنواع السلاح الذي طلبه الجيش اللبناني، إلا أنّ حليف الحزب ميشال عون وأوقف تسلّم السلاح. جدّد القول “المقاومة تحمي لبنان”، طبعاً بأمر من الحزب.
“لماذا” المنع؟
داخليّاً:
لا يرغب الحزب العسكري في أن يكون نقيضه (الجيش اللبناني) قويّاً ومسلّحاً وقادراً على بسط سلطته. فكلّما استعاد الجيش قدراته على التسلّح وترتيب صفوفه وفرض سيطرته على الأرض وخضع لقرار الحكومة اللبنانية بموضوع إعلان الحرب، تدنّت الحجّة المسوقة من الحزب الذي بنى تنظيمه العسكري على أساس أنّه البديل عن الجيش. بل تُزال الحاجة إلى ما يسمّى “مقاومة” (التي أساساً فقدت معناها منذ أن تدخّلت بالبوسنة والهرسك وفي كوسوفو قبل تدخّلها غير المقاوم لحماية الأنظمة في كلّ من سوريا والعراق واليمن).
يترافق هذا الامتناع مع حملة تستهدف الجيش وتتّهمه بالتخاذل من جرّاء عملية الإنزال الإسرائيلية على شاطئ البترون وخطف عماد أمهز، حتى وصل الحال بنعيم قاسم لمهاجمة المؤسّسة العسكرية علناً وتحديد مهامّها بـ”حماية الحدود البحرية”، لا البرّية التي يجب أن تبقى تحت سيطرة الحزب الذي يرفض انتشار الجيش ووضع أكشاك مراقبة على الحدود مع سوريا، وهو ما قد يهدّد أكثر من 120 معبراً غير شرعي للتهريب، وليس آخر ما شملته عمليات التهريب أسلحة وصواريخ وذخيرة.
السّبب الخارجيّ “إيرانيّ”:
أوّلاً، تعلم إيران أنّ الحزب المسلّح بالداخل اللبناني هو سلطة أمر واقع مفتاحها في طهران يحقّق سلاحها فائض قوّة يُستخدم سياسياً وأمنيّاً في الداخل وعسكريّاً كورقة تحتاج إليها إيران في الملعب الإقليمي والدولي.
كما تحرص إيران على بقاء الحدود البرّية سائبة من دون أيّ رقابة فعّالة لتمرير السلاح بـ”الكوريدور” الممتدّ من طهران مروراً بالعراق وسوريا ووصولاً إلى لبنان والداخل الفلسطيني.
إلى جانب الحدود البرّية المفتوحة، تركّز على مطار حلب وغيره من المطارات بما فيها أجزاء من مطار حميميم الروسي – السوري، إضافة إلى المرافئ البحرية اللبنانية والسورية لإيصال الأسلحة والصواريخ إلى الحزب.
المصلحة الإيرانيّة – الإسرائيليّة
إصرار الحزب على أن يزعم عدم قدرة الجيش اللبناني تبيّن أنّه مصلحة إسرائيلية وإيرانية على حدّ سواء، كلٌّ لأسبابه. لكنّ المؤكّد أنّ هذه الأسباب تتنافى مع مصلحة لبنان واللبنانيين ولا تتلاقى مع المساعي الدولية لتعزيز قدرات الجيش اللبناني ومدّه بالإمكانيات المادّية واللوجستية لبسط الأمن في الجنوب وعلى الحدود البرّية اللبنانية – السورية.
الثّلاثيّة المدمّرة:
ترافق الإعلان عن القدرات التخزينية للصواريخ والأسلحة والذخائر الآتية من إيران، مع تشديد الحزب على عدم قدرة الجيش اللبناني على الحلول محلّ المقاومة بعدما منع الحزب “تمكين وتسليح” الجيش.
أين “ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة”؟ سقطت هذه الثلاثية اليوم. أثبتت هذه الحرب العبثية أنّ المعادلة تدمّرت كما كلّ لبنان بسقوط ركنين فيها: الشعب اللبناني لم يختَر الحرب والحزب يمنع تسليح وتمكين الجيش اللبناني المنوط به لوحده الدفاع عن لبنان الـ10,452 كلم2.
للأسف.. جاءت هذه الحرب كما أرادها نتنياهو. تعزّزت بمنع الحزب تسليح وتمكين الجيش اللبناني.. كما يشتهي رئيس الوزراء الإسرائيلي “المتطرّف”.
بديع يونس