بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
كرّر المسؤولون الأميركيون أخيراً أمام المسؤولين العرب الذين يلتقونهم أنّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو لا يريد الحرب، وكذلك إيران والحزب، وأنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جادّة في جهودها لوقف الحرب وعدم توسّعها إلى حرب إقليمية مدمّرة. مفاوضات وقف الحرب في غزة مضت عليها أشهر عدّة ولم تصل إلى أيّ نتيجة. لكنّ تحرّك واشنطن الأخير يوحي بأنّها حصلت على وعد جدّي من نتنياهو بأنّه أصبح مقتنعاً بضرورة وضع نهاية للحرب… فما سبب انقلاب موقف نتنياهو؟
اقتناع الولايات المتحدة الأميركية بأنّ نتنياهو أصبح الآن يريد وقف الحرب بعد زيارته الأخيرة لواشنطن، عبّرت عنه الإدارة الأميركية بالإفراج عن الذخائر والقنابل الثقيلة التي تريدها إسرائيل بعدما كانت جمّدتها ردّاً على ارتفاع أعداد القتلى المدنيين من جرّاء القصف الإسرائيلي لغزّة. كما يوضع في السياق نفسه إرسال حاملات الطائرات والمدمّرات الهجومية إلى المتوسّط والتوعّد بالدفاع عن إسرائيل في حال تعرّضها لهجمات انتقامية إيرانية.
ما سبب هذا التّغيير في موقف نتنياهو؟
تطوُّر موقف نتنياهو جاء نتيجة عدّة عوامل:
– تجاوز عدد القتلى أربعين ألفاً. وهذا الأمر ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على إسرائيل ليس في المنطقة فحسب، إنّما في العالم. وقد لا تستطيع إسرائيل أن ترمّم سمعتها، وتحديداً في العالم الغربي على المديَيْن القريب والمتوسّط.
– وصلت حدّة التوتّر الإقليمي إلى مرحلة بدأت بتهديد المصالح الغربية في المنطقة. وأدرك نتنياهو أنّ إسرائيل بحاجة إلى مشاركة أميركية عسكرية في أيّ مواجهة واسعة بوجه إيران وجميع أذرعها في المنطقة. من هنا أهمّية رسالة واشنطن الداعمة لإسرائيل من خلال الحشد العسكري الكبير في المتوسط وطمأنة نتنياهو إلى أنّ واشنطن ملتزمة بأمن إسرائيل.
– استحالة النصر بالطريقة التي يريدها نتنياهو، وخصوصاً بعد بروز انتقادات من وزير دفاعه والمؤسّستين العسكرية والأمنيّة الإسرائيليّتين في هذا المجال، وسعيه إلى التوصّل إلى خاتمة مرضية للحرب يمكن من خلالها الإعلان عن تدمير القدرات العسكرية لحماس وقتل معظم قيادتها العسكرية وزعيمها السياسي لدرجة لا تستطيع بعدها تهديد إسرائيل بشكل جدّي لسنوات، وطبعاً استعادة الرهائن الإسرائيليين.
– والأهمّ بالنسبة إلى نتنياهو وحكومته المتطرّفة الابتعاد حاليّاً عن موضوع إقامة الدولة الفلسطينية، على الأقلّ في مفاوضات صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، وعدم السماح لحماس وقائدها يحيى السنوار بالقول إنّ طوفان الأقصى دفعت المجتمع الدولي للاعتراف بدولة فلسطينية بعد سنين من التجاهل وأعادت الموضوع الفلسطيني إلى الواجهة.
أسباب إيران لمنع الرّدّ والحرب
من جهتها لا تريد إيران حرباً واسعة تشارك فيها مباشرة، إنّما تفضّل أن تخوض حرب استنزاف لإسرائيل من خلال حلفائها في المنطقة، فيما تعزّز من قدراتها النووية وتوسّع نفوذها.
التوصّل إلى اتّفاق في غزة قد يعطي إيران فرصة لتجاوز الإحراج المهين الذي تسبّب به اغتيال إسماعيل هنية في ضيافتها، إذ تستطيع القول إنّ وقف الحرب في غزة جاء نتيجة التهديدات الإيرانية بالانتقام.
الجدّية الأميركية الأخيرة في تحرّكها الدبلوماسي المدعوم بترسانة بحريّة هجومية في البحر الأبيض المتوسط، أقنعت إيران بالتراجع خطوات، وذلك لتجنّب التصعيد وحماية مشروعها النووي.
إيران كمثل حليفها الحزب تريد تحويل الإنجازات الاستراتيجية من خلال مساندة حماس في غزة إلى أصول ومكاسب سياسية. وهذا قد يصعب تحقيقه في حال ذهبت المنطقة إلى حرب شاملة بمشاركة عسكرية أميركية.
وماذا عن أسباب الحزب؟
الحزب لديه كلّ مبرّرات عدم رغبته في توسيع نطاق الحرب. فهو يستطيع في حال توقّفت الحرب اليوم بأن يعلن أنّه ساند غزة لمدّة تزيد على عشرة أشهر ودفع ثمناً غالياً من كوادره. وفي بيئته يمكن استثمار هذا الخطاب محلّياً وإقليمياً.
من خلال هذه المواجهات المضبوطة مع إسرائيل تكون إيران من خلال الحزب قد ثبّتت وجودها على حدود إسرائيل بشكل يعطي طهران ورقة مؤثّرة في الحسابات العسكرية في حال قرّرت إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
اللافت في موقف واشنطن قناعتها بأن لا إيران ولا الحزب يريدان حرباً واسعة. هذه القناعة لا يمكن أن تكون فقط نتيجة خلاصات سياسية واستخبارية، إنّما من خلال اتّصالات مباشرة وغير مباشرة مع طهران والحزب.
وهذه أسباب بايدن
ليس فقط أطراف النزاع يريدون وقف الحرب كلٌّ لأسبابه، إنّما لإدارة بايدن أسبابها الموجبة أيضاً. فالإدارة الديمقراطية تخوض انتخابات رئاسية عبر نائبة الرئيس كامالا هاريس التي تريد وقف الحرب ووقف تدفّق صور القتل والدمار اليومية من غزة.
الحزب الديمقراطي يعقد مؤتمره لترشيح هاريس رسمياً الأسبوع المقبل. وهناك استعدادات لأن تكون هناك تحرّكات شعبية من قبل الجناح التقدّمي في الحزب الديمقراطي خارج وداخل المؤتمر للتعبير عن رفض استمرار الحرب في غزة.
المرشّحة الديمقراطية تريد الحفاظ على وحدة الحزب، ولا تمتلك رفاهية إغضاب أيّ جناح من الناخبين الديمقراطيين، إذ قد يكلّفها عدم الوصول إلى البيت الأبيض.
الديمقراطيون يريدون تجنّب أعمال مماثلة لتلك التي حصلت في مؤتمر عام 1968 في شيكاغو حين حصلت مواجهات بين الشرطة ومناهضين لحرب فيتنام واتجاه الحزب الديمقراطي أدّت يومها إلى تصدّع الحزب وأسفرت عن خسارة نائب الرئيس هوبرت همفري الانتخابات.
موفق حرب