نتانياهو… أمامه السجن أو الخروج من الحياة السياسية

كتب عوني الكعكي:

لا شك ان جلوس رئيس الحكومة الاسرائيلية على كرسي الحكومة لمدة تزيد على الـ16 سنة فترة طويلة لنظام برلماني يدّعي انه حر…
لذلك، فإنّ المصيبة الكبرى التي تقع بها الدولة العبرية لأوّل مرّة في التاريخ، هي فشلها في اكتشاف عملية 7 أكتوبر قبل حدوثها… وهنا يُطرح سؤال: أين المخابرات الاسرائيلية التي تعتبر نفسها أخطر وأقدر وأهم مخابرات في العالم؟ أين الشاباك؟ وأين عظمة قوى الأمن الاسرائيلية؟ كل هذا سقط، والمسؤول الأول عن هذا السقوط هو طبعاً رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو.
اليوم إسرائيل في مأزق كبير ورئيس حكومتها في مأزق أكبر، إذ انه خائف من سجن ينتظره، بل ربما ينتظره سجنان: واحد في إسرائيل، والثاني في جنوب أفريقيا أو لاهاي، بالإضافة الى المحكمة التي سوف تحاسبه عن التقصير والفشل الذي حدث في 7 أكتوبر وتحمّله المسؤولية كاملة.
كل هذا يدلّ بوضوح على ان نتانياهو يحاول التهرّب من مسؤوليته عن الأزمة الحالية، والمصير الذي ينتظره في اليوم التالي للحرب. وذلك من خلال حشد جمهور اليمين المتطرّف خلفه لتكريس صورته بوصفه زعيماً أوحد، قادراً على قول “لا” في وجه جو بايدن والادارة الاميركية الحالية.
إشارة الى ان وجود نتانياهو في الحكم تجاوز الفترة التي أمضاها مؤسّس الدولة ديڤيد بن غوريون ليصبح صاحب أطول فترة حكم في الدولة العبرية في تاريخ إسرائيل، إذ خدم في هذه المهمة لمدة تزيد على 16 عاماً. هذه المدة الطويلة الحافلة بالمراوغة والتقلب، مع موهبة خاصة في الظهور أمام الجمهور والخطابة والمناورة، والمثابرة على تركيز الصلاحيات في يده، وجعل شخصه محور أي حكومة أو ائتلاف.
هذه الصفات المتكررة التي لازمت نتانياهو في ظروف وفترات زمنية مختلفة، تثبت ما توصّل إليه رئيس “الموساد” ديڤيد برنياع في تحليل شخصية نتانياهو ببراعة، وهو الذي يتمتع بذكاء لافت، وسمعة عالمية وخبرته طويلة في جهاز الاستخبارات الاسرائيلية… يفجّر برنياع إحدى أكبر المفاجآت، في حديث إذاعي لافت، ان القيادة العسكرية الاسرائيلية هي “قيادة سامّة”، وهي كاريزما فقط خالية من المضمون والصدقية.
يتابع: في حربنا ضد الفلسطينيين في غزة، نحن نخسر هويتنا كشعب يهودي… وأقولها بصراحة: إذا لم نوقف هذا القتال فوراً، فلن نحظى بالطمأنينة والأمان. نحن نريد دولة يهودية ديموقراطية. فأين الديموقراطية وحرب الإبادة في غزة مستمرة؟
يضيف: أؤكد لكم ان الفلسطينيين سيقاتلون حتى آخر فرد منهم، لأنهم يشعرون بالاضطهاد… وهم على حق في مطالبتهم بدولة مستقلة خاصة بهم، تبعث فيهم الطمأنينة والسلام.
هناك حلاّن -أمامنا- لا ثالث لهما… يتابع برنياع:
الأوّل: إما أن نرتاح ونعترف للفلسطينيين بدولة مستقلة ذات سيادة، تقوم الى جانب دولة يهودية ديموقراطية.
الثاني: وإما أن نحارب حلّ الدولتين، ونعمل على القضاء تماماً على هذا الحلّ، وبالتالي، فأنا أرى انهياراً تاماً لكل محاولات التسوية وهذه هي بداية انهيار إسرائيل.
يضيف برنياع: نتانياهو يقامر بإسرائيل ومستقبلها، بل هو يقامر بنا… فهو يعمل جاهداً على تأخير وقف إطلاق النار، وإطالة أمد الحرب، لأنه لا يريد ترك الحكم… فترك الحكم بالنسبة إليه هو النهاية: اما السجن المؤكد بعد دعاوى الفساد بحقه والتسبّب بهزيمة إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. وهذا ما لا يريده.
إنّه يريد تأخير نهايته، وتأخير الحكم على ما اقترفته يداه بحق إسرائيل وشعبها.
هذا هو الواقع -يختتم برنياع- وعلى من لا يفهم حتى الآن، فهم الموضوع بأبعاده كافة.
فإذا كان هذا الصهيوني، رئيس “الموساد”، هو الذي يقول مثل هذا الكلام، عن هزيمة إسرائيل بقيادة نتانياهو وأركان حربه، وتخبّط هذه القيادة… فإنّ المرء يتساءل -بلا شك- لماذا هناك عرب يتصهينون أكثر من هذا الصهيوني نفسه، ويزعمون عكس ما يقول؟ بل يصبون غضبهم “المتصَهْين” على أشرف مقاومة عربية تواجه الكيان الصهيوني منذ نشأة هذا الكيان.
إنّ أهم ما حققته عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقها أبطال المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 هي:
أولاً: تحطيم صورة جيش الاحتلال الاسرائيلي، إذ ظهر جيش هذا الكيان على حقيقته من دون تجميل، وبات يعيش في عزلة سياسية.
ثانياً: برهن أبطال “حماس” وباقي مجموعات المقاومة الفلسطينية ان أكبر جريمة حرب في التاريخ، والإبادة الجماعية نُفذت في غزة بدعم من أميركا والغرب.
ثالثاً: إنّ المجازر في غزة أظهرت حقيقة المواقف الاميركية والدعم المطلق للاحتلال وتأييد جرائمه… كما أظهرت تخاذل بعض الدول العربية والاسلامية على حد سواء.
رابعاً: فعّلت عملية “طوفان الأقصى” وحدة الساحات من قبل فصائل مؤيدة لإسناد المقاومة الفلسطينية، كجبهة حزب الله في لبنان، ومساندة الحوثيين في البحر الأحمر، والمقاومة في العراق. كما أثبتت وحدة الساحات هذه فعاليتها في لجم كباح العدو في عدوانه على غزة وتكبّده خسائر كبيرة سواء بالجنود والآليات.
خامساً: نجحت عملية “طوفان الأقصى” في إعادة وإحياء مشروع الدولة الفلسطينية، ما جعل “حلّ الدولتين” مشروعاً حقيقياً موضوعاً على طاولة أي محادثات.
سادساً: نجحت عملية “طوفان الأقصى” في تحقيق إنجازات سياسية مهمة لمصلحة القضية الفلسطينية، مثل قطع علاقات الدول الافريقية بالكيان الصهيوني، وأخذ الجمعية العامة قراراً يعدّ الحركة الصهيونية حركة عنصرية. وصارت القضية الفلسطينية نقطة استقطاب دولي.
سابعاً: أعادت معركة “طوفان الأقصى” القضية الفلسطينية الى موقعها في صدارة القضايا الدولية القادرة على صناعة الحدث.
ثامناً: تحرّكت القوى الشعبية في الدول العربية والدول الاجنبية وخاصة في الجامعات، من أجل دعم الشعب الفلسطيني، وأصبح شعار “حرّروا فلسطين Free Free Palestine” علامة مسجّلة في الساحات العالمية.
تاسعاً: تدهور الاقتصاد الاسرائيلي بشكل لافت بعد “عملية الطوفان”، كما أثر تدخل الحوثيين على الاقتصاد العالمي، ما انعكس سلباً على ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي ينعكس سلباً على التوقعات الايجابية للاقتصاد العالمي… ويقول الخبراء إنّ إسرائيل تتكبّد خسائر بـ73 مليار دولار إذا استمرت الحرب… وهي الآن في عجز تطالب بما وعدت به، أي 14 مليار دولار.
باختصار: إنّ معركة “طوفان الأقصى” حققت إنجازات في جميع الجبهات… وهذه الدماء والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والمقاومة الاسلامية اللبنانية على مدى تسعة أشهر… لم تذهب هدراً… لأنّ النصر الذي تحقق في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يتعاظم ويتدحرج ليصنع لحظة النصر الأكبر والنهائي.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات (0)
إضافة تعليق