إيمان شمص
«أساس ميديا»
احتمال السيطرة على التصعيد الإقليمي أو على الأقل منعه لمدة أطول، بات أمراً خيالياً على نحو متزايد. هذا هو رأي مديرة العلاقات الدولية في “مركز الشؤون السياسية والخارجية الفرنسي – CPFA“، كيلي الخولي. ففي الأفق تتراصف عناصر عاصفة كاملة، في منطقة الشرق الأوسط.
تعنت إسرائيل وعودة حماس
بينما تشنّ إسرائيل هجومها على رفح، على حساب الرهائن ومكانتها الدولية، أثبت رئيس مجلس وزرائها بنيامين نتنياهو مرة أخرى أنّ هدفه الرئيسي هو ضمان بقائه السياسي من خلال تلبية توقعات اليمين المتطرّف. هذا هو رأي المستشارة السياسية الفرنسية، السورية الأصل، كيلي الخولي، الذي نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية.
ونتانياهو زعم أنّ الهجوم على رفح كان “مفتاح النصر الكامل”. لكن بعد نحو ثمانية أشهر من الحرب، أصبحت إسرائيل دولة منبوذة، وتواجه مستنقعاً في غزّة، وعنفاً متزايداً في الضفة الغربية، وحرباً وشيكة مع الحزب. أيضاً في هذه المغامرة قتل نتانياهو أكثر من 35000 إنساناً في غزّة، وأسقط النظام الصحي، ودفع نصف السكان لمواجهة مستويات كارثية من المجاعة. وحوّل معظم غزّة إلى أنقاض، ستكلف إعادة إعمارها حوالي 40 مليار دولار. وقد لا ينتهي العمل قبل 2040.
من غير الواضح من سيمول مشروع إعادة الإعمار، لأنّ معظم الدول العربية رفضت المشاركة في أيّ خطة بعد الحرب غزّة، في حال لم تؤدِّي إلى إنشاء دولة فلسطينية. وبالنظر إلى الكارثة الإنسانية المستمرة وتفشي الفوضى وعدم وجود خطة قابلة للتطبيق في اليوم التالي، ستتمكن حماس من تجنيد المقاتلين واستعادة السيطرة على معظم قطاع غزّة.
تجاهل إسرائيل الصارخ للقانون الإنساني الدولي يشكل خطراً استراتيجياً. وعودة طالبان إلى أفغانستان أو صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا هي إشارات بمثابة تذكير مؤلم بأنّ المنظمات الإرهابية تعود إلى الظهور باستمرار ولا يمكن هزيمتها بالسبل العسكرية وحدها. وأنّ أيّ عملية ناجحة لمكافحة التمرّد تتطلب دعم السكان المحليين واستراتيجية متماسكة طويلة المدى تعالج القضايا الأساسية وتمنع الفراغ في السلطة.
عدم استقرار في الأردن ومصر
تؤجّج الصور الوحشية الآتية من غزّة الغضب في الشارع العربي وتهدّد بتعريض اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع مصر والأردن للخطر. تخشى القاهرة أن يؤدّي غزو رفح إلى تدفق هائل للاجئين الذين لن يتمكّنوا من العودة إلى بلادهم. ورغم نجاح مصر في احتواء التمرّد الإسلامي في شبه جزيرة سيناء، إلا إنّ أيّ حالة من عدم الاستقرار في المنطقة قد تؤدّي إلى عودة ظهور المنظمات الإرهابية.
كما أنّ التهجير القسري للفلسطينيين الى أراضي الأردن يشكّل خطاً أحمر وتهديداً لأمنه الداخلي. مع وجود أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون بالفعل على أراضيها، تواجه عمان احتجاجات منتظمة تدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل. من المرجّح أن تتصاعد هذه الاحتجاجات إذا استمر الوضع في الضفة الغربية في التدهور. ففي ظل تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرّف، زاد عنف المستوطنين، وتفاقم بسبب هجمات 7 أكتوبر. ومع اعتبار السلطة الفلسطينية على نطاق واسع ضعيفة وغير فعالة وفاسدة، ارتفع دعم المقاومة المسلحة بين الفلسطينيين.
سياسة ايرانية أكثر عدوانية في الأردن
بحسب الخولي، تستخدم إيران وكلاءها لإثارة الاضطرابات في المنطقة. وهذا المخطّط بمساعدة الحزب والميليشيات الإيرانية، جعل نظام الأسد وسوريا واحدة من أكبر دول إنتاج وتصدير المخدّرات في العالم. ما أدّى إلى انتشار شبكات الاتجار في جميع أنحاء المنطقة. والأهمّ أنّه على مدى السنوات الثلاث الماضية، استخدم الحرس الثوري الإيراني هذه الشبكات لتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية على أمل إثارة “انتفاضة” ثالثة.
لكن منذ 7 أكتوبر، حاولت إيران تهريب المزيد من الأسلحة المتطورة إلى غزّة. بما في ذلك الألغام المضادة للدبابات وقاذفات القنابل اليدوية والمتفجرات المختلفة. وتستخدم وكلاءها لزعزعة استقرار الحكومة الأردنية. كما هدّدت كتائب الحزب، الوكيل الأكثر أهمية لإيران في العراق، بتسليح 12 ألف مقاتل في الأردن لدعم المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. كما أحبطت السلطات الأردنية مؤخراً مؤامرة لميليشيات مدعومة من إيران في سوريا كان هدفها توفير أسلحة لتستخدمها خلية تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن لتنفيذ أعمال تخريبية.
منذ الثورة الإسلامية عام 1979، استغلت إيران الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعداء الإقليمي تجاه الولايات المتحدة لتقديم نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي. واغتنم الحرس الثوري الإيراني فرصة الفوضى الناجمة عن الحروب المتعدّدة والتوترات الطائفية المتزايدة لتنمية محور المقاومة. ومن خلال ملء فراغ السلطة في العراق ودعم نظام الأسد في سوريا، أقامت إيران جسراً برياً مع الحزب في لبنان. ما يسهّل نقل المقاتلين والمعدات إلى وكلائها.
وتضيف الكاتبة في مجلة “ناشيونال إنترست”، أنّ السياسة الخارجية الإيرانية أصبحت أكثر عدوانية بعد أن عزّزت الفصائل المحافظة المتشدّدة سلطتها في 2021. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني واغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، تم تهميش الفصائل الإصلاحية والمعتدلة في النظام الإيراني. وتشدّد النظام في تطبيق قوانين “الأخلاق”، وشنّ حملة قمع عنيفة على الاحتجاجات المناهضة للحكومة. ما أدّى إلى توسيع الفجوة بين الدولة والمجتمع. وفي خضم الهمس حول خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، أخذت وفاة رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي الصراع الشديد على السلطة إلى مستويات شدة. ومن غير المرجّح أن تسترخي السياسة الخارجية الإيرانية. بدلاً من ذلك، قد يقرّر النظام تسليح برنامجه النووي لضمان بقائه. في حين يواجه انعدام الأمن الداخلي والأعمال العدائية الإقليمية.
حرب ظل في لبنان
في هذه الأثناء، وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية، اشتدت حرب الظلّ بين إيران وإسرائيل في عدّة ساحات. خاصة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وأدّت الاشتباكات بين الحزب وإسرائيل إلى تهجير 150 ألف مدني على جانبي الحدود.
إسرائيل مصممة على شنّ هجوم عسكري في جنوب لبنان لدفع قوات الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني لتأمين حدودها الشمالية والسماح لمستوطنيها بالعودة إلى مستوطناتهم. وعلى الرغم من أنّ شعور أمين عام الحزب بالقلق من مواجهة شاملة مع إسرائيل، إلا أنّه لا يستطيع أن يبدو ذضعيفاً في مواجهة أيّ هجوم إسرائيلي.
ومنذ حرب تموز 2006، اكتسب الحزب خبرة قتالية في الحرب السورية. وزاد ترسانته بشكل كبير. وهو حليف إيران الأكثر قيمة في المنطقة ويلعب دوراً مركزياً في محور المقاومة. وإذا اندلعت الحرب، قد يحشد الحرس الثوري الإيراني قواته ووكلاءه للدفاع عن الحزب. ما قد يطلق حرباً إقليمية أوسع نطاقاً. وحتّى الهجوم المحدود يهدّد بزعزعة استقرار لبنان الذي يواجه أصلاً جموداً سياسياً، وانهياراً اقتصادياً، وتوترات طائفية جديدة.
في الخلاصة، فإنّ الباحثة تختم بالتحذير من أنّ “كلّ القضايا التي ابتليت بها منطقة الشرق الأوسط لعقود من الزمن يبدو أنّها بلغت ذروتها في وقت واحد. وفي مثل هذه البيئة المتقلّبة، من الوهم الاعتقاد بأنّه يمكن السيطرة على المزيد من التصعيد”.
إيمان شمص