بقلم: عارف العبد
تعتبر الكلمة التي أدلى بها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، يوم الثلاثاء الماضي، في الاحتفال التكريمي الذي أقيم لمناسبة استشهاد القيادي في حزب الله فؤاد شكر، المعروف بالسيد محسن، من أهم الكلمات التي قالها السيد نصرالله في المدة الأخيرة. والسبب، أنها مفصلية تتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل.
ركزت كلمة السيد على ثلاثة مواضيع أساسية، الأول، أنها تضمنت تقييماً للمعركة الدائرة في غزة والجنوب ونظرته إليهما. والثاني، أنها تضمنت تقييماً للوضع الراهن دولياً وإقليمياً. والثالث، أنها حملت رؤية الحزب للمرحلة المقبلة. وهذا هو المهم، لأنها تكشف عملياً تفكير وتوجه حزب الله، الذي قد ينعكس ويؤثر على أحداث العقد المقبل في لبنان. باعتبار أن الحزب بات يحتل راهناً موقع القوة الرئيسية المقررة في الأحداث في لبنان والنطاق الجيوسياسي المحيط به، بعد تراجع سوريا عن هذا الدور لأكثر من سبب وسبب في المدة الأخيرة.
بيّنت الأحداث والمواقف أن السيد نصرالله أصبح الآن بمثابة الوكيل، والناطق الأساسي، والرئيسي باسم محور القوى المتحالفة أو المؤيدة والمُسيرة من إيران في المنطقة، والتي يسميها البعض محور الممانعة.
توحي السردية المقدمة من قبل نصرالله أنها متماسكة في أغلبها. ويكاد يكون أغلب التحليل الذي أدلى به السيد نصرالله لما جرى، تحليلاً صائباً.
إذ أن كلامه عن الإجازة الأميركية والغربية لإسرائيل بالقتل وإبادة الشعب الفلسطيني صحيح مئة في المئة. فالولايات المتحدة الأميركية ومعها أغلبية الدول الغربية حتى الآن، تمنح إسرائيل موافقة مسبقة على ما فعلته وما تفعله بحق الشعب الفلسطيني. والحقيقة أن عدد الشهداء في غزة ليس كما تعلن وزارة الصحة الفلسطينية، من أرقام رسمية. بل هو قد زاد عن ذلك بأضعاف، لأن الأرقام المعلنة عن الشهداء يشمل من وصل إلى المستشفيات أو المراكز الصحية، وسُجلت أسماؤهم وكشف عليهم. لكن الأعداد الفعلية مضاعفة، وهي أكثر من الواقع، وهي بأغلبها مطمورة تحت الركام .
السيد نصرالله، اعتبر في كلامه أن ما يسمى حل الدولتين هو وهم من الأوهام المسيطرة على بعض الأطراف والدول العربية. وهذا واقعي تماماً. وأن إسرائيل لن توافق على دولة فلسطينية حتى في غزة لوحدها. وهذا صحيح. وأنها قد تطرد سكان الضفة باتجاه الأردن. وهذا ممكن. ناهيك بالمستوطنات التي باتت تحتوي على مئات الآلاف من المستوطنين.
وبالتالي، فإن المراهنة -كما أشار السيد نصرالله- على حل الدولتين، من قبل أطراف عربية وموافقة إسرائيل عليه، هو رهان على سراب.
هذا التحليل ليس مبالغاً فيه. بل هو حسب الوقائع تحليل واقعي.
لكن الذي يجب التوقف عنده هو الاستنتاج والتصور الذي خرج به السيد نصرالله ليعتبر: «إن المشروع الأساسي هو مشروع محور المقاومة الحقيقي، والذي يقول فلسطين من البحر إلى النهر، والمشاريع الأخرى بالوسط ستذوب، لن يبقى لها مستقبل، لأن ليس لها واقع ولا حقيقة».
هنا يضع السيد نصرالله كل المشاريع جانباً، ليرفع لواء تحرير كامل فلسطين من «البحر إلى النهر»، باعتباره مشروع محور المقاومة أو ما يسميه البعض الآخر محور إيران أو الممانعة.
هذا على مستوى المنطقة. أما على مستوى لبنان، فقد أوضح السيد نصرالله أن إسرائيل تعتبر مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أراضي إسرائيلية. وهي تقريباً قد ضمتها لإسرائيل.
أغلب تحليل وتقدير السيد نصرالله لتصرفات إسرائيل وأميركا، هو تحليل صحيح وواقعي. لكن المشكلة الفعلية ليست في التحليل والتقدير الذي أعلن عنه أمين عام حزب الله، بل في الاستنتاجات التي خرج بها والتوجهات التي أعلنها.
إن اعتباره أن مشروع محور المقاومة هو استعادة فلسطين من البحر إلى النهر، فيه رجاء عام ومطلوب من أغلب المواطنين العرب، وفي الوقت عينه مبالغة وافتراضات مضخمة وغير واقعية، راهناً ومستقبلاً، في ظل الموازين الدولية والإقليمية الراهنة، والتي يبدو أنها مستمرة إلى أمد ليس بقصير.
هذا الطموح المشروع طبعاً، يحمل في طياته اعتباره أن لبنان هو من ضمن محور المقاومة الذي تسيطر عليه وتديره إيران. وهو إذ لم يعلن ذلك، لكن سياق كلامه يدل على ذلك!
كما أن حديث السيد نصرالله، عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، يوحي وكأنه يريد القول إن المقاومة مستمرة لتحرير هذه الأراضي، حتى لو لم تعترف سوريا رسمياً للبنان بأنها لبنانية.
المشكلة الأساسية، هنا، ليست في التحليل الذي يقارب الواقع بمجمله، بل بالاستنتاج والافتراض أن لبنان وباقي الشعب اللبناني، موافق ومقبل على تنفيذ هذه الاستنتاجات والتوجهات والسياسات. وهي سياسات ليست مقرة رسمياً وشعبياً، ولا متفق عليها في لبنان، وهي من خارج وثيقة الوفاق الوطني، التي أجمع عليها الشعب اللبناني. وهي بحاجة إلى أغلبية أو إجماع لبناني غير موجود أو مؤمَّن، لكي يتم العمل به وبمقتضاه. ولا تحظى بالموافقة القانونية. وهي من خارج المؤسسات الرسمية والدستورية.
قد يكون السيد نصرالله، محقاً في تحليله ونظرياته السياسية والاستراتيجية، لكنه تجاوز حقيقة أن ذلك بحاجة لموافقة وتوافق ورضى أغلبية أو أكثرية الشعب اللبناني عليه، وأن لذلك طرق دستورية وقانونية ارتضاها الشعب اللبناني ويعيش عليها ومتمسك بها، ولن يكون من السهولة تجاوزها والقفز فوقها.
فأن يقرر السيد نصرالله نقل لبنان من صيغة «سويسرا الشرق» الوردية الموعودة المحطمة الآن، والتي أشار إليها لامارتين في القرن التاسع عشر، مسألة جائزة ويمكن أن تطرح. لكن السيد قد فاته أنه ليس بإمكانه تحويل ونقل لبنان إلى وضعية «هانوي الشرق الأوسط». فالأمر بحاجة إلى موافقة أغلبية شعبه ورضاه، عبر اتباع القانون والالتزام بالدستور، وليس عن طريق التحيّن والإكراه!
عارف العبد