كتب عوني الكعكي:
يتقاذف الأفرقاء السياسيون في لبنان، مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية بعد عامين على الفراغ.. فيما يبدو التوافق، أو حتى قدرة أي فريق على ايصال مرشحه شبه مستحيلة، نتيجة الانقسام العامودي في مقاربة الموضوع، وعدم امتلاك أي فريق الأكثرية النيابية.
وفي خضم هذا التقاذف أرى، وبكل موضوعية، ان المشكلة مسيحية – مسيحية… وأركز هنا على جهود البطريركية المارونية لتقريب وجهات النظر بين القيادات والكتل المسيحية الكبرى، كما أذكر بدعوة البطريرك بشارة الراعي النواب المسيحيين الى خلوة في 5 نيسان (ابريل) الماضي للصلاة من أجل لبنان، حيث كان الاستحقاق الرئاسي حاضراً. لكن محاولات البطريركية لم تؤدّ الى توحيد الموقف المسيحي.
من هنا، أعتقد ان أزمة رئاسة الجمهورية هي في جزء كبير وأساسي منها، متعلقة بموقف المسيحيين. وأنا مصرّ أيضاً على انه إذا حصل توافق بين المسيحيين، نكون قد قطعنا أكثر من منتصف الطريق، ونكون اقتربنا كثيراً من سلوك مسار انتخاب رئيس للجمهورية.
لكنّ المشكلة في ان المسيحيين يرفضون كلّ أشكال الحوار والتوافق وتحديداً أكبر فريقين مسيحيين (أي التيار والقوات).
وأعود فأقول إنّ جميع المسؤولين اللبنانيين يتحمّلون مسؤولية عدم انتخاب رئيس، ولكن بنسب مختلفة… ولكن الى جانب ذلك أتساءل: هل هناك إجماع مسيحي حول هذا الاستحقاق الرئاسي؟.. أعني: هل المسيحيون متفقون في ما بينهم على شخصية مارونية مؤهلة للفوز بلقب الرئاسة؟
لقد مضى عامان ونيّف، ونحن عاجزون عن انتخاب رئيس جديد، ولبنان المتخبّط بمشاكله الأمنية (العدوان الاسرائيلي) والمالية والاقتصادية والسياسية بلا رئيس.
ولا بدّ لي هنا من التذكير بانتخاب ميشال عون رئيساً في 31 تشرين الاول (أكتوبر) 2016، بعد سنتين من الشغور إثر “اتفاق معراب”، و”لقاء المصالحة التاريخية” بين عون وسمير جعجع، حيث ساد مناخ عام في الوسط المسيحي بأنّ محدلة “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” قادرة على الانتصار على الجميع.
انتخاب عون يومذاك، لم يكن فقط بسبب إصرار حزب الله على ترشح عون، ولم يتمكن الحزب من الوصول الى ما يرمي إليه إلاّ بعد “اتفاق معراب”، أي بعد اتفاق أكبر كتلتين مسيحيتين في ذلك الوقت.
وأذكّر هنا كذلك، بالخلاف بين جعجع والرئيس سعد الحريري الذي أخذ مسلكاً تصاعدياً حتى وصل الى الذروة مع ترشيح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية الى الرئاسة. ولم يتراجع الحريري عن تأييد فرنجية إلا بعد اتفاق المسيحيين في معراب على تأييد عون.
لقد انتهت ولاية عون في 30 تشرين الاول (أكتوبر) عا م 2022، ومنذ ذلك التاريخ ونحن نعيش فراغاً في سدّة الرئاسة. وهنا أشير الى انه بدل تبادل الاتهامات حول المسؤول عن هذا الفراغ وعدم انتخاب رئيس… عمد البعض من ذوي النيات السيّئة توجيه الاتهام الى دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، حول عدم شرعية توليه موضوع مفاوضات وقف إطلاق النار، في غياب رئيس الجمهورية، وبحجة ان رئيس الجمهورية هو صاحب الحق حصرياً في إجراء مثل هذه المفاوضات.
ودعونا هنا لا ندخل في متاهات “سفسطة” لا تجدي ولا تنفع ولبنان غارق في حرب، دمّرت قراه، وقتلت وهجّرت شعبه.
الحكم يا أعزائي استمرارية.. وقد أعلن وزير الداخلية الاستاذ بسام مولوي ان رئيس المجلس يستطيع أن يفاوض، بحكم غياب رئيس الجمهورية، لأنّ رئيس المجلس مكلّف بإدارة الأمور حتى يتم انتخاب رئيس جديد.
من ناحية ثانية أقول: إنّ الرئيس بري فاوض حول تطبيق قرار 1701، وهو قرار قديم موافق عليه من الدولة اللبنانية ولم يفاوض على قرار جديد.
ثالثاً: في غياب رئيس الجمهورية، يتولى مجلس الوزراء مجتمعاً سلطاته… لأنّ نظامياً لم يلحظ وجود نائب لرئيس الجمهورية، والرئيس بري كان والرئيس ميقاتي يتداولان الأمور معاً. والاتفاق سيعرض على الحكومة الحالية لإبرامه بأكثرية الثلثين.
فأين المشكلة في ذلك؟ وهل يريد المنتقدون ترك لبنان في جحيم الحرب… إنها انتقادات فارغة “لا تسمن ولا تغني من جوع”؟ وهل يكون الانتقاد -كما يقول جعجع- ان بإمكانهم انتخاب رئيس من دون الشيعة؟ فأين الميثاقية يا سمير والشيعة جزء أساسي في البنية اللبنانية وهو ما ردّ عليه وليد جنبلاط؟
ولأعُدْ الى الوضع المسيحي الراهن:
– جبران باسيل لا يريد جوزيف عون ولا يريد جعجع ولا حتى فرنجية.
– سمير جعجع لا يريد جبران ولا سليمان فرنجية، رغم ان فرنجية كان سامحه رغم قتله والده المرحوم طوني فرنجية.
– “الكتائب” ليست مع “القوات” ولا هي مع التيار الوطني الحر ولا مع فرنجية.
باختصار: انتخاب رئاسة الجمهورية تشكّل أكبر قضية خلافية مع بعضهم.
وأؤكد: فليتحدّ المسيحيون، وليتخذوا قراراً جريئاً وواضحاً وصريحاً، ليلتفوا حول موقف موحّد من انتخابات رئاسة الجمهورية. إذ ذاك تُـحلّ المعضلة، وتزول العقبات ويكون للبنان رئيساً.
كما أختم بهذه القضية الطريفة…
معّاذ يُدعى روكز… سأله صديق له اسمه فنيانوس: لماذا يا روكز تلبس بذلة جديدة (طقم) وأنت ترعى الماعز؟ أجابه روكز: يا فنيانوس… هل نسيت ان هناك انتخابات رئيس جمهورية؟ فلربما استدعوني. (انتهت القصة) فهذه هي حال الاخوة المسيحيين اليوم.