بقلم عبادة اللدن
«اساس ميديا»
لم يعد مهمّاً كيف قضى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نحبه. ربّما هو القدر أن تنشغل طهران في عملية انتخابية وتغيير سياسي في نافذة ضيّقة من الوقت تشبه كثيراً لحظة “كامب ديفيد” في عام 2000: فإمّا تسوية كبيرة وإمّا انفجار إقليمي بأفق غير محدود زمنيّاً.
حين أقلعت مروحيّة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من الحدود الإيرانية الأذربيجانية، كان مسرح المنطقة يتحضّر لتطوّرات كبيرة متزامنة على النحو التالي:
- الاتّفاقيّة الأميركيّة السعوديّة:
في اليوم نفسه، استقبل وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الظهران مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. وذكرت وكالة الأنباء السعودية أنّه “تمّ بحث الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتّفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة”. والحديث هنا، بحسب ما هو متداول من المصادر الأميركية، يدور حول الآتي:
- اتفاقية للدفاع المشترك تجعل المملكة في وضع مماثل لليابان وأستراليا ودول الناتو من حيث استعداد الولايات المتحدة للذهاب إلى الحرب إذا تعرّضت لتهديد.
- ودعم أميركي لتخصيب اليورانيوم السعودي لأغراض سلمية (لدى المملكة احتياطي ضخم من اليورانيوم الخام).
- وشراكة اقتصادية كبرى بين البلدين تمهّد لاتّفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
التطوّر المهمّ قبل ذلك بساعات كان إعلان السناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام في مقابلة على قناة “العربية” أنّه يعمل على جمع تأييد كافٍ من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ لإقرار اتفاقية للدفاع المشترك. غراهام زار السعودية أربع مرّات أخيراً، آخِرتها في نيسان الماضي. واللافت أنّ هذا السناتور بالذات كان من أشدّ الأصوات عداء للسعودية في الكونغرس الأميركي قبل سنوات قليلة.
مغزى ما قاله الرجل أنّ الفرصة المتاحة الآن لإقرار الاتفاق في ظلّ وجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض قد لا تتكرّر. إذ إنّ عدداً كافياً من الجمهوريين مستعدّون لتوفير الأصوات اللازمة لتمرير الاتفاقية، على الرغم من إدراكهم أنّها ورقة مهمّة لمصلحة بايدن في السباق الانتخابي. ويتولّى غراهام بالذات إقناع الرئيس الأميركي السابق والمرشّح الرئاسي دونالد ترامب بعدم تعطيل الاتفاق لاعتبارات التنافس بين الحزبين. فقد ذكرت وسائل إعلام أميركية أنّ غراهام أجرى اتصالاً مع ترامب خلال لقائه مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ربّما ليضمن تأييده لتمرير الاتفاقية في الكونغرس.
- الدّولة الفلسطينيّة:
تبلور اقتناع في واشنطن، بجناحَيها الديمقراطي والجمهوري، بالرؤية السعودية القائلة إنّ المنطقة لن تنتقل إلى مرحلة جديدة ما لم يتمّ اجتراح حلّ للقضية الفلسطينية يكون في أساسه إيجاد “مسار ذي مصداقية نحو حلّ الدولتين”، وبأنّه لا بدّ من وقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات. وبحسب تعبير توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” فإنّ السعودية تشترط انسحاب إسرائيل من غزة، وتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وإطلاق مسار لإقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث إلى خمس سنوات. وهذه كلّها نقاط يرفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمطلق.
بدا في الأيام الماضية أنّ الضغط الأميركي أحدث انقساماً في حكومة الحرب الإسرائيلية، بين نتنياهو الذي يقول للجمهور الإسرائيلي إنّه سيسير وحيداً في وجه الضغوط، وعضو حكومة الحرب بيني غانتس الذي بات يراهن على انتخابات مبكرة يفوز بها حزبه. كما برز انقسام آخر بين نتنياهو من جهة ووزير الدفاع وجنرالات الجيش من جهة أخرى حول استراتيجية الحرب.
- المفاوضات الأميركيّة الإيرانيّة:
في الأثناء، كانت سلطنة عمان تستقبل مسؤولين أميركيين وإيرانيين لاستئناف المحادثات، للمرّة الأولى بعد اغتيال الجنرال في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي في دمشق، والردّ الإيراني بإطلاق الصواريخ والمسيّرات إلى إسرائيل. وهذا يؤكّد أنّ المسار الذي بدأ قبل الحرب في غزة قابلٌ للاستئناف، بغضّ النظر عن سخونة الجبهات من رفح إلى جنوب لبنان والبحر الأحمر.
وفي قلب هذا المسار بحثٌ في كيفية إعادة الملفّ النووي إلى مسار التفاوض والاحتواء. وتدخل في هذا الإطار زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية رفاييل غروسي لطهران في السادس من أيار الجاري، حيث التقى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي قضى مع الرئيس في تحطّم المروحية.
قال غروسي لاحقاً في مقابلة مع “ذا إيكونوميست” إنّ الاتفاق النووي الذي مزّقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، تجاوزته الوقائع. إذ إنّ اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% لدى إيران يكفي لصنع ثلاث قنابل نووية خلال أسبوع واحد. ويكفي لصنع سبع قنابل خلال شهر واحد. تلك الزيارة أتت بعد تصريحات لافتة من مسؤولين في الحرس الثوري وأحد مستشاري المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، لمّحت إلى إمكانية التخلّي عن الفتوى التي أعلنها خامنئي سابقاً بتحريم الأسلحة النووية. تلك المعطيات تؤكّد أنّ التفاوض النووي كان على وشك أن يُفتح مجدّداً، لكن تشير في الوقت نفسه إلى صعوبة الاتّفاق. انتخابات في إسرائيل وأميركا وإيران
على هذه الخلفية في مسرح الأحداث وجدت طهران نفسها في مخاض البحث عن خلَفٍ للرئيس الذي كان اسمه مطروحاً كخليفة محتمل للمرشد الأعلى علي خامنئي. وإذّاك، يمكن لاختيار الرئيس أن يكون تدشيناً مبكراً لصراع الخلافة الأكبر. ومعلوم بالضرورة أنّ ملفّات المنطقة تدار في صالونات متعدّدة في طهران، أحدها في وزارة الخارجية، والآخر، الأكثر أهمية، في الحرس الثوري، الذي يدير شبكة الميليشيات المترامية في دول الإقليم. وقد خرج التباين بين تلك الصالونات إلى العلن في عهد الرئيس السابق حسن روحاني.
حلّت انتخابات إيرانية فجأة على روزنامة الإقليم، لتتشابك مواعيدها مع انتخابات في الولايات المتحدة، وحكومة في إسرائيل على شفا جُرُفِ انتهاء الحرب.
يمكن للتغيّر الطارئ في إيران أن يُحدث بعض الاضطراب في إدارة التفاوض مع الغرب ومع دول المنطقة. لكنّه ربّما يحضّ الأميركيين على التسريع في عقد الصفقة الكبرى، لأنّ ما هو ممكن اليوم قد لا يُتاح غداً في منطقة مفتوحة كلّ يومٍ على مفاجأة جديدة.
لا شيء يشبه اندفاع إدارة بايدن إلى صفقة كبرى في الشرق الأوسط سوى اندفاع الرئيس الأسبق بيل كلينتون في السنة الأخيرة من ولايته الثانية عام 2000 لعقد اتفاق سلام شامل. وما زال الديمقراطيون يذكرون بحسرة تلك الخلوة التي استضافها الرئيس الأميركي في كامب ديفيد بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك. سقط الاتفاق حينها، ودخل آرييل شارون المسجد الأقصى واندلعت الانتفاضة الثانية، وغرقت المنطقة في ربع قرن من الحروب. لا يريد الديمقراطيون ربع قرن لتلوح فرصة أخرى.
عبادة اللدن