كتب عوني الكعكي:
بغض النظر عن الإيمان وبعيداً عن المحبة أو الكره، دعنا نذهب الى الواقع. والواقع هنا لو عدنا الى الوراء 47 سنة أي الى أيام الشاه قبل مجيء مشروع ولاية الفقيه.
كيف كانت إيران أيام الشاه. لقد كانت من أجمل بلاد العالم والحضارة تفيض منها… أقله الاحتفال التاريخي الذي أقامه شاه إيران بمناسبة مرور 2500 عام على إنشاء مملكة فارس. ذلك الاحتفال دعا إليه رؤساء وملوك من العالم.
على كل حال، لا بدّ من ذكر بعض النِعَم التي كانت يتنعم بها الشعب الإيراني.
أولاً: كان سعر صرف العملة المحلية أي التومان مرتفعاً، فقد كان كل دولار يساوي 37 تومان، أما اليوم فكل دولار يساوي 85 ألف تومان.
ثانياً: كان هناك مصنع لشركة رينو الفرنسية ينتج سنوياً مليون سيارة، كذلك شركة بيجو الفرنسية ينتج مليون سيارة سنوياً أيضاً.
ثالثاً: الجيش الإيراني كان من أهم جيوش العالم، وكان مزوّداً بأسلحة أميركية متطورة من «F14» والفانتوم وغيرها… إذ كانت إيران خطّ الدفاع الاول ضد الاتحاد السوڤياتي.
وأعود الى الحفل الفخم والضخم الذي أقامه الشاه وسط صحراء، فحوّلها الى جنّة… لقد أقام شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي احتفالاً ضخماً، كما ذكرنا، لمناسبة ذكرى 2500 عام لإنشاء مملكة فارس وبالفارسية (جشن هاي 2500 سالة شاهنشاهي إيران). هذا الاحتفال الرسمي دعا إليه شخصيات سياسية كبيرة من رؤساء وملوك العالم والأمراء، لزيارة مدينة برسبولس الإيرانية، وكان ذلك في الفترة ما بين 12 تشرين الاول (أكتوبر) الى 16 منه عام 1971.
وكان الاحتفال إحياء لذكرى قورش الأكبر مؤسّس الامبراطورية الفارسية الأولى.
وكانت الاحتفالات هذه تجري عادة في مقبرة كورش في بلدة باسارغاد، التي تبعد نحو 800 كلم جنوبي طهران. ولا يزال الإيرانيون الى اليوم، وحتى في ظل الجمهورية الإسلامية يبدون إعجابهم بقورش، الامر الذي انتهى بنقلهم الى السجن.
والحفل الذي أقامه الشاه هو الأعظم والأفخم والأكثر تكلفة في التاريخ… حضره جميع ملوك العالم ورؤسائه وقادته، ويعتبر هذا الاحتفال من أضخم الاحتفالات. لقد كان يستحق هذا الاحتفال أن يطلق عليهم اسم «احتفال القرن». وكان الاحتفال حدثاً استثنائياً. ولكن هذا الاحتفال أثار غضب الإيرانيين الذين كانوا يعانون اقتصادياً، إذ إن الاحتفال بلغت كلفته ملايين الدولارات.
كما كان الاحتفال حدثاً كبيراً يهدف أيضاً الى تسليط الضوء على حضارة إيران القديمة وتاريخها خاصة تأسيس الامبراطورية الأخمينية القديمة على يد قورش الكبير، إضافة الى إبراز التطورات المعاصرة في عهد محمد رضا بهلوي.
لقد دفع الشاه، كما أفادت أوساط مطلعة يومذاك، مبلغ 600 مليون دولار تكلفة لهذا الاحتفال، ما يعطي انطباعاً كيف كانت إيران يومذاك.
لقد شهد ذلك الحفل من التحضيرات والمصاريف والبذخ المبالغ فيه ما لا تسمع به سوى في قصص ألف ليلة وليلة، حتى وصل الأمر لاستيراد الآلاف من العصافير المغردة من أوروبا وإطلاقها في الصحراء لتسلية الحضور لكنها نفقت بسبب حرارة الجو، وكان عددها 150 ألف عصفور.
حتى الطعام كان هناك 18 طنّاً من أفخر الأطعمة أشرف على تحضيرها أشهر الطهاة من فرنسا، كانت ستقدّم للأباطرة والملوك والرؤساء والشيوخ لمدة ثلاثة أيام وسط أطلال مدينة برسيبوليس القديمة. لقد حضر الحفل كل قادة العالم وغابت عنه السعودية والإمارات.
لقد أراد الشاه أن يكون «قورش آخر»، تمّ استقبال الضيوف في خيام ملكية بالقرب من المعالم الأثرية للدولة الإخمينية.
ولإتمام هذه المهمة، زيّن الفنان الفرنسي جانسون التصميم الداخلي لسبعين خيمة بالكريستال والزجاج والحرير والمخمل الأحمر. فكانت الخيام وسط الصحراء أشبه بالقصور الفخمة منها بالفنادق. إنه موقع يشبه مشهداً من أفلام جيمس بوند أو مشهداً من القصص الخرافية.
هكذا كانت إيران أيام الشاه… تنعم بالازدهار والرقيّ.. ونختم حلقة اليوم بالحال التي كانت عليه إيران الشاه… يوم كانت تعيش أحوالاً رائعة… ونلتقي معكم في عدد يوم غدٍ، لشرح ما آلت إليه أحوال إيران بعد تسلم آية الله الخميني الحكم وفي ظلّ دولة الملالي اليوم.
[يتبع غداً]