بقلم مروان اسكندر
الخلفية المهنية لوزير الطاقة أنه اختصاصي في الأرقام وإدارة المؤسسات، وبالتالي تُعلق على معارفه وخبراته آمال كثيرة لتحقيق بداية في معالجة معضلة الكهرباء، وهو يطلب مخصصات وإن لم تكن كافية فيطلب زيادتها.
إذا كانت زيادة العجز هي الهدف المعروف فقد عانينا من هذا التوجه، والوزير باسيل الذي تولى وزارة الطاقة وأشرف على وزارتها بعد انقضاء عهده صرح أن اتفاق إنجاز معمل إضافي بطاقة 450-500 ميغاواط حسب اتفاق عام 2013 مع الشركة القبرصية اليونانية كان كافياً لاختصار عجز الكهرباء بـ10-15 مليار دولار، وهو اعتمد على ثلاثة وزراء من جيش الخبراء المتعاقد معهم في الوزارة لتحسين التموين بالكهرباء وتخفيض العجز وقد تجاوز العجز الإضافي المبلغ الذي يؤكد الوزير باسيل إمكانية توفيره… لو ولو ولو.
الوزير الحالي يتحدث كثيراً وحديثه غير مطمئن، كما أنه حديث قد يُسبب إحراجاً لزميله وزير الطاقة السوري، حيث التفت إليه وقال له بصوت مسموع على التلفزيون… «حادثتك السفيرة الأميركية؟» ومعلوم أن الأميركيين صرحوا أنهم سيجمدون العقوبات المفروضة على سوريا طالما اتفاق استجرار الغاز من مصر متحقق بكميات تُساعد على زيادة إنتاج الطاقة في لبنان بـ400 ميغاواط سنوياً.
اتفاق استجرار الغاز أنجز منذ عام 2004، وبمبادرة من قبل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان يُنفذ المشاريع الكبرى. فهو أنجز مطار بيروت، كما أنجز إنشاء محطتين لإنتاج الكهرباء بمواصفات تسمح باستعمال الفيول أويل، أو الغاز وبطاقة 900 ميغاواط، إضافة لمحطتين بطاقة 80 ميغاواط لكل منهما، في بعلبك والجنوب، وهو أنجز بناء منشآت الجامعة اللبنانية، وإصلاح 780 مدرسة حكومية، وهو أنجز مستشفى بيروت الذي استوعب العدد الأكبر من مرضى الكورونا، وهو الذي حض الأميركيين على إعادة إصلاح جسر صوفر… والكثير من الأمور الأخرى، وهو أطلق مرحلة إعادة إعمار وسط بيروت… وكل ذلك أنجزه باكلاف إنشائية لم تتجاوز الـ5 مليارات دولار… وها هو الوزير الجديد للطاقة يتحدث عن حاجته لما يساوي 500 مليون دولار لتأمين 200 ميغاواط من الطاقة الإنتاجية التي فقدتها برعاية خبراء جبران باسيل الذين تجاوبوا مع دعوته لهم لتولي الوزارة، وأحدهم أعلن في مؤتمرين كان آخرهما في فندق الريفييرا في شهر شباط عام 2017 أن البلد سيتمكن من استعادة النور لفترة 24 ساعة يومياً، ولم تتحسن طاقة الإنتاج بل هي تقلصت.
عن ماذا يتحدث الوزير الجديد، باستثناء خطأه الديبلوماسي بدور الولايات المتحدة في إقناع سوريا بتفعيل اتفاق استيراد الغاز عبر أراضيها إلى لبنان، وهذا اتفاق تم توقيعه أصلاً عام 2004 بين الدول الأربع (لبنان – سوريا – الأردن – مصر).
الوزير الجديد بقدرته الكلامية يتحدث عن زيادة طاقة الإنتاج أو تخفيض العجز بما يساوي كلفة إنتاج 400 ميغاواط، ويشير إلى ضرورة زيادة التعرفة، وتحسين كفاءة عمليات الإنتاج وتعميم استعمال العدادات الالكترونية التي تؤمن تقييم الاستهلاك واحتسابه بدقة، كما وهذا مطلوب، تحسين نسبة التحصيل سواء من المشتركين العاديين أو وزارات الدولة وبعض كبار المسؤولين.
يستحق الوزير التهاني على حسن قراءته، لكنه لا يتذكر أو لا يريد أن يتذكر أن الرئيس فؤاد السنيورة طالب بزيادة التعرفة كي تصبح متماشية مع ارتفاع أسعار القيم، كما هو طالب بتعيين هيئة تشرف على تنفيذ سياسة الطاقة ولا تكون تابعة للوزير المعني، والشركات التي تقوم بخدمات إعادة تثبيت شبكات التوزيع، والصيانة الدورية، كما طالب الرئيس السنيورة، وعبر لجنة من 8 خبراء بإجراء مقابلات مع مرشحين لعضوية هذه الهيئة، والمقابلات أجريت صيف وخريف 2005، والتوصية بتعيين أعضاء الهيئة شملت على سبيل المثال المدير العام الحالي كمال الحايك… ومن ثم مجلس النواب لم يفسح مجالاً لدراسة توصيات اللجنة والموافقة عليها.
وللمناسبة نشير إلى أن تشكيل هذه اللجنة اقتراح أساسي من توصيات دراسة أنجزتها شركة كهرباء فرنسا منتصف التسعينات، ومن دراسة أنجزها فريق البنك الدولي بعد أربع سنوات، وكل ما سمعناه عنه أنه هذه اللجنة ستشكل إنما من دون أن تتمتع باستقلالية لإنجاز العقود بدون موافقة الوزير المعني.
حضرة الوزير الجديد، المطلوب معرفة نشاطات القطاع العام في لبنان، هل قرأت تقارير شركة الكهرباء الفرنسية التي أوصت بضرورة إنجاز مركز تحكم بتوزيع الطاقة على المناطق، وتوصيات البنك الدولي، أو هل قرأت دراسة قدمت لطالبة في جامعة ستانفورد المشهورة؟! ودراستها منجزة منذ عشر سنوات وتنتهي بالقول إن إصلاح قطاع الكهرباء غير ممكن في لبنان، بسبب المواقف السياسية وتطلعات المسؤولين إلى منافع من تنفيذ أي مشروع، وبالتالي أصبح لبنان يشكو من مشكلة الكهرباء، والتي يقول تقرير البنك الدولي الصادر حديثاً إنها المشكلة الرئيسية في مجال الخدمات العامة التي إذا استمرت من دون حل تمنع استحقاق لبنان من تمويل دولي أو إقليمي منخفض الكلفة.
حضرة الوزير، هل أجريت تقديرات حول أكلاف استيراد الغاز من مصر، وهل تعلم أن سعر تسليمات الغاز في أوروبا من روسيا، المسؤولة عن تأمين 50% من حاجات أوروبا للغاز قد ارتفع ستة أضعاف، وستؤثر على أكلاف الإنتاج الصناعي وتُسهم في تخفيض معدلات النمو؟! وهل احتسبت أكلاف استيراد المشتقات النفطية لتغذية القدرات المنخفضة لإنتاج الكهرباء،؟!.. إننا نعتقد بأنك لم تتمكن من تكليف خبراء بهذه المهمات، علماً أن الوزارة قيض لها جبران 40 خبيراً يفوقون معارف خبراء الطاقة في الولايات المتحدة…
رجاء حضرة الوزير الابتعاد عن التصريحات المضرة كما فعلت همساً مع وزير الطاقة السوري، والانكباب على حلول تتجاوز ما اقترحه الرئيس السنيورة من قبل بكثير.
حضرة الرئيس ميشال عون، وحضرة النائب جبران باسيل، وحضرة وزير الطاقة الحالي، بداية الإصلاح تكون بالخطوات التالية ولا يجوز تجديد توقعات اللبنانيين كما يجري حالياً.
– الاتصال بشركة سيمنز ومباحثتهم بإنجاز معملين بطاقة 3000 ميغاواط بعد سنة من تاريخ التوقيع، والحصول على شروط تمويلية لقاء فوائد منخفضة لمدة عشرين سنة.
إضافة لذلك السعي لإقناع شركة سيمنز بتزويدنا بثلاث مولدات بطاقة 80 ميغاوات لكل منها لإنتاج 240 ميغاواط خلال ثلاثة أشهر ومن بعد إنجاز المحطتين الرئيسيتين تُستعاد المحطات المذكورة.
– اتفاق كهذا يؤدي اإى تدفق استثمارات على لبنان وانفتاح مجالات عمل لعشرات الشباب من خريجي الجامعات والمدارس المهنية.
– يضاف اإى المحطتين مهمة دراسة شبكات التوزيع وتحسينها وتقييم الأثر الاقتصادي لهذه المبادرات.
– إنشاء الهيئة الناظمة متمتعة بجميع الصلاحيات واختيار أعضائها من أصحاب الاختصاص.
إذا فعلنا ذلك نكون بدأنا بمعالجة الخلل في نطاق الطاقة، وهو خلل يؤثر على أكلاف الإنتاج، ووسائل التواصل، ونظرة العالم إلى لبنان وقدراته.
لقد كتب هذا المقال في جريدة «الشرق» في 2022/1/30 ومنذ أكثر من سنتين، وكل ما شهدناه من تطوير انحصر بمبادرات القطاع الخاص لتركيب الألواح الزجاجية التي تحفظ الطاقة.
مقابل انحسار طاقة إنتاج مصلحة كهرباء لبنان ارتفعت قدرة تأمين 1500 ميغاوات من القطاع الخاص، ولا زالت على تذكير لتبلغ الطاقة المجهزة من القطاع الخاص 2000 ميغاوات، وكانت أنجيلا ميركل رئيسة وزراء ألمانيا سابقاً تعهدت بتأمين 3000 ميغاوات خلال عامين، وأعلنت عن ذلك ان ألمانيا تموّل الاسثمار وتشرف على التشغيل، وحينئذٍ قاطعها الوزير عام 2019 بالتأكيد ان لبنان حقق تحسينات جذرية في إنتاج وتوسيع طاقة إنتاج الكهرباء، وأنّ الحاجة للتقنيات الألمانية والتمويل التسهيلي لن توفر فائدة قياساً على ما تحقق حتى عام 2019، وحينما عاتب بعض الوزراء وزير الطاقة في ذلك التاريخ، أرسل رسالة اعتذار لميركل وطلب المساعدة فأجابته: «لا أريد التعاون معك وشركة «سيمنز» لا ترغب في العمل في لبنان…»، ومنذ ذلك التاريخ ارتفعت طاقة الألواح الزجاجية -كما ذكرنا- ولا زالت على تزايد، والسؤال هو: ما هي الحاجة لوزارة الطاقة طالما وزراؤها لم يحققوا على مدى سنوات سوى تراجع قدرة الإنتاج والتسليم؟.. طبعاً هنالك من يطمع في العناية الإلهية.
مروان اسكندر