بقلم مصباح العلي
في زحمة التشابك السياسي المعطوفة على أجواء إقليمية ملبّدة، يكمن السر عند رئيس مجلس النواب نبيه بري لأكثر من اعتبار، أولها وليس آخرها كيفية التعاطي مع دفتر الشروط المطروح أمام لبنان بسبل التطبيق والالتزام التام بتنفيذ القرار الدولي 1701.
مندرجات القرار المذكور تتجاوز نقطة الخلاف في التفسير أو الترجمة بين شمال أو جنوب الليطاني، الى ما هو أعمق وأخطر، وهو تغيير تموضع لبنان إقليمياً بعد انفراط عقد محور إيران، وهذا ليس بالأمر السهل بعدما راكمت «الشيعية السياسية» مكاسب لن تتنازل عنها بسهولة.
من هنا، يشكل رئيس مجلس النواب نبيه بري القناة الأساسية لمطلق اتفاق لحمل سبل الالتزام به، والدور المحوري ليس بكون بري عرّاب إعلان وقف إطلاق النار بقدر إتمام اتفاق نهائي وانسحاب إسرائيل بشكل كامل كما إقرار إعادة الإعمار.
هناك في الوسط الشيعي من يحمّل بري مسؤولية الاستعجال في الموافقة على وقف إطلاق النار، دون منح الخيار العسكري فرصة بتسجيل إنجازات في الميدان يمكن الاستفادة منها في العملية التفاوضية.
نفس الأمر تكرر مع انتخاب العماد جوزاف عون مع ما تردد عن «ضمانات» تم طرحها مقابل إنهاء الشغور الرئاسي، حيث تبين بأن التسوية ليست على خاطر «حزب الله»، وانسحب ذلك على تشكيل حكومة نواف سلام والبيان الوزاري.
الأجواء الحالية في لبنان تفيد بأن الاتفاق منجز حول إنهاء معضلة السلاح وليس من سبيل من التفلت من توافق عربي – دولي، لكن وفق العادة المتأصلة بأنّ الجميع يعترف بالمأزق في لبنان ويدور الخلاف حول كيفية تجاوزه أو الخروج منه.
لا تنقص نبيه بري الحنكة ولا الدهاء، وهو الموصوف بأنه ساحر السياسة اللبنانية منذ 33 عاماً، تسلّم فيها رئاسة مجلس النواب وقبلها تجربة سياسية وعسكرية غنية في رئاسة حركة أمل، لكن صعوبة المعضلة ما بين هزيمة المشروع الشيعي أو استعادة تجربة المحيط السني في سوريا والعراق والأردن تجعل خيارات بري صعبة ومؤلمة.
حزب الله من جهته، أعطى إشارات على أفول العمل العسكري والاستعداد لخوض غمار تجربة العمل السياسي وفق قاعدة حصرية التمثيل الشيعي على كافة المستويات، من البلدية الى الوظائف العامة وصولاً لمقاعد مجلس النواب.
ثمة آراء بأنّ تفكير الحزب بتحصين الحالة الشيعية هو صمام أمان في بلد تحكمه التوازنات الطائفية والمذهبية، لكن تدور تساؤلات عن قدرة الثنائي الشيعي المتمثل بحركة أمل وحزب الله سد كل الثغرات، خصوصاً أن تمويل إعادة الإعمار مشروط، وطريق التمويل الإيراني مسدود، وغير ذلك أسباب كثيرة متصلة بالصورة التي ستنتج عن استحقاق 2026 الانتخابي وما يليه.
يقف نبيه بري عند مفترق مصيري وهو صاحب الخبرة بدهاليز قرار الدول العظمى وتعاملها مع لبنان بغض النظر عن عوامل التاريخ والجغرافيا، وهو بلا شك يستعيد في ذاكرته بدايات سطوح نجمه في ميدان السياسة بعد اجتياح 1982 وانتفاضة شباط ثم إسقاط اتفاق 6 أيار وما بينهما الاتفاق الثلاثي.
ماذا يريد النبيه؟ سؤال متشعّب بين أحوال الشيعة بعد الانكسار العسكري والذي سلبه فقدان القوة، وما بين النفوذ الغربي الذي يبشر بدخول لبنان العصر الأميركي بكل ما له وعليه.
مصباح العلي