بقلم وليد صافي
«أساس ميديا»
قبل حوالي شهرين من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نشر معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة ريخمان المنظّم لمؤتمر هرتسيليا السنوي، دراسة لمجموعة باحثين إسرائيليّين بعنوان: “اجتماع الرئيس ترامب برئيس الحكومة نتنياهو: هل نحن أمام قرار تاريخي؟”. توقّع الباحثون أن يُعقد الاجتماع بين الرئيس ترامب ورئيس الحكومة نتنياهو في توقيت استثنائي، ميزته الأساسية تقاطُع مسارات في مجال الأمن القوميّ والحصانة الداخلية، قبيل اتّخاذ قرارات مصيرية.
قبل أسبوع من الزيارة المفاجئة نشر معهد دراسات الأمن القومي مقالة لتامير هايمن بعنوان “ثلاثة مسارات محتملة لتحقيق أهداف الحرب، واحد منها هو الأفضل”، وأرفقها بمجموعة توصيات ليستفيد منها نتنياهو في أيّ محادثات مع البيت الأبيض لإنهاء الحرب. لكنّ التوقيت الاستثنائي لهذه الزيارة التي كانت تنتظرها إسرائيل منذ فترة، جاء في الشكل على وقع رفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتّحدة، وفي الواقع أتى على وقع قرار ترامب التفاوض مع إيران، وعدم السماع لنصائح نتنياهو ورغباته في تفضيل الحلّ العسكري على الحلّ الدبلوماسي.
هذا ما أكّدته آنا برسكي في مقالتها في صحيفة معاريف بعنوان: “ترامب أحرج نتنياهو على الهواء مباشرةً: الزيارة التي انهارت تحت وطأة الحقيقة”. إذ كتبت: “صحيح أنّ الدافع الرسمي للزيارة الخاطفة التي قام بها نتنياهو للبيت الأبيض كان محاولة إقناع ترامب بتخفيض مستوى الرسوم الجمركية التي فُرضت على إسرائيل، لكن في الواقع يبدو أنّ القضية ليست قضيّة رسوم، بل المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران هي السبب الحقيقي. حقيقة أنّ رئيس الولايات المتّحدة لا يزال يؤمن بالمسار الدبلوماسي في مواجهة إيران، تثير قلق نتنياهو منذ فترة طويلة، وحتّى الآن لم ينجح في إقناع ترامب بأنّ الدبلوماسية لن تُجدي نفعاً، بل ستمنح إيران الوقت وهامش مناورة. وقد سارع إلى القدوم إلى واشنطن حين أدرك مدى عُمق هذا التباين في المواقف ليعرض أمام دونالد ترامب على الأقلّ رؤيته بشأن ما يسمّيه “اتّفاقاً نوويّاً حقيقيّاً””.
المضيف ينقلب على الضّيف
المعروف عن ترامب أنّه شخصية سياسية غير متوقَّعة ويخبّئ باستمرار مفاجآت غير سارّة لخصومه وحلفائه على السواء، ويُخضع ممارسة السياسة للعبة الـ Business، إذ يحسب الكلفة والعوائد بدقّة متناهية. ومنذ انتخابه ووصوله إلى البيت الأبيض، لم يتوقّف الجدال في إسرائيل عن التوقيت الذي سينقلب فيه ترامب وتتدهور العلاقات بينه وبين نتنياهو، على خلفيّة التناقض الكبير والواضح بين أهداف كلّ منهما. أولويّات ترامب في إنهاء الحرب والتوسّع في اتّفاقات أبراهام التي يعتبرها من إنجازات عهده الأوّل تتعارض كلّياً مع أجندة نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرّف الذين يريدون “حرباً بلا نهاية”.
انقلاب المضيف على الضيف في تبنّي المسار الدبلوماسي مع إيران وتذكيره بضرورة إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح المحتجزين قد لا يعترف به نتنياهو بسهولة، ومن المتوقّع أن يستمرّ هذا الأخير بسياسة المراوغة وكسب الوقت. وقد كانت آنا برسكي موفّقة في وصفه في المقالة ذاتها في صحيفة “معاريف”، إذ كتبت: “يمكن الوثوق ببنيامين نتنياهو: لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يقدّم تفسيره للمشهد الذي جرى في البيت الأبيض، على الهواء مباشرةً، ولمدّة ساعة كاملة. سيحوّل الإحراج إلى إنجاز، أو على الأقلّ سيخفّف من وقع الانطباع الأوّليّ. نتنياهو، كما هو معروف، عبقريّ في فنّ التوضيح الإعلامي، لكن سيكون من الصعب طمس أو نسيان الانطباع الأوّليّ والأصيل الناتج من التصريح المشترك في المكتب البيضاوي، بعد ساعة ونصف ساعة من الغداء والمحادثات. كلّ كلمة وُثّقت، وبُثّت، ونُقلت. بكلمة واحدة: مفاجأة، وبثلاث كلمات: مفاجأة تلامس الإذلال”.
أضافت الكاتبة: “ترك الضيف للمضيف حقّ إعلان بدء المحادثات النووية المباشرة بين واشنطن وطهران، التي ستنطلق فعلاً يوم السبت المقبل. أمّا نتنياهو فاكتفى بتصريح خاصّ به كان مختلفاً تماماً عن كلّ ما قاله سابقاً بشأن الملفّ النووي الإيراني. ففي الماضي، كان نتنياهو حاسماً للغاية، وأكّد أنّه لا يجوز السماح لإيران بالحصول على ما يكفي من الموادّ لتصنيع قنبلة نووية، وأمّا هذه المرّة فالصيغة كانت مختلفة كلّياً. إذ قال نتنياهو إنّ “موقفنا موحّد إزاء عدم حصول إيران مطلقاً على سلاح نوويّ، ويمكن أن يحدث ذلك أيضاً من خلال المسار الدبلوماسي”، لكنّه أضاف لاحقاً أنّه يجب السعي في المحادثات مع إيران إلى اتّباع “النموذج الليبي”. وفعليّاً، وبترجمة من اللغة الدبلوماسية، عبّر بنيامين نتنياهو عن إحباطه من ثقة ترامب بالحوار الدبلوماسي مع طهران، ووجّه دعوة حذِرة، لكن واضحة، إلى إنهاء الدبلوماسية والاستعداد للخيار العسكري”.
من المؤكّد أنّه جرى خلف الخطاب الحذر، الذي صرّح به في العلن، حوار أقلّ تحفّظاً وأكثر اتّساعاً خلف الأبواب المغلقة. واستناداً إلى ما قاله الرئيس ترامب على الهواء مباشرةً، بعدما استمع إلى حجج رئيس الوزراء نتنياهو، يمكن التقدير أنّ المضيف لم يقتنع، ولم يتبنَّ موقف الضيف. على الأقلّ في الوقت الراهن.
المشكلة الحقيقيّة هي إيران
لن يطول النقاش في إسرائيل في الشكل الذي بدا فيه نتنياهو في الاجتماع مع ترامب، أي مثل التلميذ المطيع لمعلّمه. ويبدو أنّ هناك إجماعاً في إسرائيل على أنّ المسار التفاوضي الذي اختاره الرئيس الأميركي ترامب مع إيران أقلق نتنياهو بشدّة وجعله يشدّ رحاله بسرعة من بودابست وينطلق نحو واشنطن، علّه يفلح في إقناع ترامب باعتماد الخيار العسكري في مواجهة الملفّات مع إيران. لكنّ “حساب الحقل معه لم يكن على قدر حساب البيدر الذي يمسك بغلاله ترامب، صاحب أوراق القوّة في جلب الخصوم والحلفاء إلى طاولة المفاوضات”.
في هذا المجال، كتب ميخائيل أورن في “يديعوت أحرونوت” مقالة بعنوان: “احتمال التوصّل إلى اتّفاق نووي جديد يمكن أن يثير قلقاً عميقاً في القدس”. إذ كتب: “الرسوم لم تكن هي السبب الذي سارع نتنياهو إلى واشنطن من أجله. المشكلة الحقيقية هي إيران… وخلال المؤتمر الصحافي المشترك للزعيمين في المكتب البيضاوي، فاجأ ترامب ضيفه بإعلان قصير: “نحن نُجري محادثات مباشرة مع إيران”. من المهمّ الإشارة إلى أنّ الرئيس الأميركي لم يخفِ قطّ رغبته في إجراء محادثات مع إيران”.
في الواقع، فور عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني الماضي، بعث برسالة إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، دعاه فيها إلى المحادثات من جديد. لكنّ ترامب كشف الآن أنّ المحادثات في ذروتها، وأعلن أنّه “سيُعقد اجتماع كبير جدّاً” يوم السبت المقبل، والأكثر إثارةً للمفاجأة أنّ هذه المحادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. وأضاف أنّ “احتمال التوصّل إلى اتّفاق نووي جديد يثير قلقاً عميقاً في القدس”. والأسئلة المركزية هي: كم ستستغرق المحادثات من وقت؟ وما هو هدفها النهائي؟ هل الهدف هو التوصّل إلى اتّفاق يكون أفضل قليلاً من الاتّفاق الموقّع في سنة 2015، ويكتفي بتجميد مؤقّت للبرنامج النووي الإيراني؟ وفي النهاية، ما هو موقف الولايات المتّحدة إذا فشلت المحادثات؟
وفق رأي أورن “هذه الأسئلة ذات أهمّية بالغة بالنسبة إلى أمن إسرائيل. الإيرانيون خبراء في المفاوضات، ومن المؤكّد أنّهم سيحاولون تمديدها أطول وقت ممكن من أجل إفساح المجال أمام روسيا لترميم وتحسين منظومات دفاعاتهم الجوّية التي دمّرها سلاح الجوّ الإسرائيلي. ومن المحتمل أن يوافقوا على اتّفاق أفضل قليلاً من اتّفاق عام 2015، لكنّهم سيحتفظون بالبنية التحتية النووية، وبمفاعلاتهم. وسيطالبون برفع العقوبات القاسية التي فرضها ترامب من جديد، وإلغاء التهديد العسكري المؤكّد الذي أُعيدَ طرحه على الطاولة. وعلى إسرائيل أن تركّز على الحصول على أجوبة عن المشكلة الحقيقية: تجدّد المحادثات بين الولايات المتّحدة وإيران. يجب علينا الحصول على ضمانات واضحة في شأن المحادثات وأهدافها النهائية. ويجب أن نوضح أنّ الاتّفاق الوحيد الذي تقبله إسرائيل هو الذي سيفكّك البنية التحتية النووية الإيرانية، لا الذي يجمّدها فقط”.
الإيرانيّون تجّار بازار
إذا كان هناك من إجماع في إسرائيل على القلق من الملفّ النووي الإيراني، فإنّ بعض المحلّلين الإسرائيليين يرون في لقاء ترامب بنتنياهو عدداً من الإيجابيّات في المسارات الثلاثة التي تهمّ إسرائيل، وهي الملفّ النووي الإيراني والوجود التركي في سوريا وموضوع المحتجزين لدى حماس. رون بن يشاي المعلّق العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” كتب في مقالته بعنوان “الأخبار الإيجابيّة التي صدرت عن لقاء ترامب ونتنياهو”: الأمر الإيجابي في خبر المفاوضات مع ايران هو أنّ هذه الأخيرة “لن تقوم بأيّ عمل حربيّ، ويبدو أنّها ستحاول لجم وكلائها كي لا تخرّب المفاوضات. لكن قبل أن نصفّق فرحاً، يجب أن نعلم أنّها ستكون مفاوضات صعبة، فالإيرانيون تجّار بازار من أصحاب الخبرة، وليسوا من صغار المحتالين. يمكن أن يخدعوا الولايات المتحدة، وليس هناك ما يضمن نجاح المفاوضات. فالبدء بالمفاوضات في الأشهر المقبلة بحدّ ذاته معناه أنّنا لن نتعرّض لتهديد حقيقي من إيران”.
في رأي بن يشاي أنّ “الأمر الإيجابي الآخر هو أنّ ترامب تعهّد استخدام علاقاته الشخصية الحميمة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمنع وقوع صراع بين تركيا وإسرائيل على مناطق النفوذ وحرّية العمل العسكري على الأراضي السوريّة”.
وليد صافي