بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
أثبتت سرعة تهاوي دفاعات الجيش السوري وسيطرة فصائل المعارضة السورية أنّ بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد لم يكن بسبب قوّته العسكرية أو ضعف المعارضة وعدم وحدتها، وإنّما نتيجة التوازنات الإقليمية والدولية التي كانت تتهيّب العمل جدّياً على إطاحته. فما هي مواقف الدول المعنية؟ وما هي دوافعها للتفرّج على نفوذ الأسد ينحسر فيما قوّات الجولاني – أحمد الشّرع، تتقدّم باتجاه دمشق؟
اللاعبون الإقليميون الفاعلون: إيران، تركيا، العراق، الأردن وإسرائيل، إضافة إلى الولايات المتحدة، موجودون عسكرياً أو أمنيّاً في سوريا. ولكلّ واحد منهم نفوذ يعمل في خدمة مصالحه. وكانوا قد دخلوا في مرحلة من التعايش ومراعاة المصالح سمحت للنظام بأن يستفيد من ذلك. وبدا كأنّه استعاد عافيته بعد سنوات من حروب مدمّرة بأبشع صورها.
لكن تغيّرت التقاطعات الإقليمية والدولية نتيجة التطوّرات الأخيرة بعد حرب 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023). وأدّى ذلك إلى نضوج قراءة واقعية من قبل إيران وروسيا، باعتبارهم الداعمين الأساسيَّين مادّياً وعسكرياً للنظام السوري.
إيران ليست متحمّسة لدعم الأسد
بالنسبة لطهران شكّل بقاء النظام حاجة استراتيجية ومذهبية كبرى. فسوريا هي ممرّ العبور البرّي لإيران للتواصل مع الحزب في لبنان ومدّه بالسلاح. منذ قيام هذا الحزب في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.
كما أعطى النظام السوري إيران قدرةً على صناعة وجود قويّ في قضايا الشرق الأوسط ومقعداً تفاوضياً قبالة بعض الدول العربية. خصوصاً منذ أن خلف الأسد الابن والده حافظ، الذي كان يعرف كيف يوثّق علاقاته مع إيران دون الذوبان في المصلحة الإيرانية.
كما ساهم وجود المقامات الشيعية المقدّسة في دمشق والدفاع عنها في إعطاء طهران حجّة دينية لتبرير تدخّلها لدى شعبها في الداخل. للحصول على موافقة شعبية على دعم النظام مادّياً وبشريّاً. وهي التي تعاني أزمات اقتصادية خانقة.
حرب الحزب وإسرائيل كانت مدمّرة لحليف إيران الأوّل في المنطقة. وهو أحد أسباب دعم إيران لنظام الأسد. لهذا السبب قلّلت الحرب من قيمة الأسد عند طهران. نتيجة الموقف شبه المحايد للأسد وعدم انضمامه إلى جبهات إسناد غزة ودعم الحزب عسكرياً.
كما أنّ استمرار إسرائيل بضرب أهداف الحزب والحرس الثوري داخل العمق السوري، حوّل سوريا إلى ساحة استنزاف لإيران لن تستطيع طهران الاستمرار في دعمها وهي تتحضّر لمرحلة الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب.
وأمس قال الرئيس ترامب: “سوريا تغرق في الفوضى. لكنّها ليست صديقتنا. وعلى أميركا ألا تتورّط. فهذه ليست معركتنا. دعوا الأمر جانباً. ولا تتدخّلوا”.
من هنا عدم الحماسة الإيرانية والبرودة في التعاطي مع التطوّرات الأخيرة في سوريا. أمّا في ما يخصّ الأماكن الشيعية المقدّسة فيمكن لتركيا أن تستعمل نفوذها لدى التنظيمات المعارضة لعدم المسّ بها من خلال تفاهمات وتقاسم نفوذ ومراعاة مصالح مع تركيا.
روسيا لا تريد خسائر… وتدعو للحوار
أمّا روسيا فهي أهمّ الخاسرين في سوريا في حال سقط نظام بشار الأسد:
– أوّلاً لأنّها ستخسر آخر معقل لها في الشرق الأوسط وعلى البحر الأبيض المتوسّط. فيما تخوض مواجهة غير مباشرة مع حلف الناتو الداعم لأوكرانيا في حربها مع الأخيرة. وبالتالي فإنّ انسحاب الجيش السوري من المدن التي دخلها المعارضون، وإعادة تموضعه دون إبدائه أيّ مقاومة… تذكر قد يكونان نتيجة نصيحة روسيّة بالحفاظ على القواعد الروسية وحماية ما بقي من نظامه. وهذا يشبه إلى حدّ كبير ما حصل للقوات الروسية في أوكرانيا حين انهارت القوات الروسية في العمق الأوكراني.
– وثانياً لأنّ التدخّل الروسي في سوريا لم يشكّل استنزافاً بشريّاً لموسكو سابقاً. إذ لم تقع خسائر بشرية في العمليات العسكرية قبل 10 سنوات. خصوصاً أنّ قوات فاغنر الروسية التي كانت تقاتل إلى جانب قوات النظام كانت تقوم بمعظم المهامّ القتالية على الأرض. لكنّ سقوط النظام سيشكّل ضربة معنوية كبيرة لبوتين في وقت تعثّر حملته العسكرية لإخضاع أوكرانيا. لهذا السبب قد تعمد روسيا إلى جعل دمشق ومناطق الساحل وطرطوس خطّاً أحمر يضمن لها مقعداً إلى طاولة المفاوضات وتقاسم النفوذ في سوريا. ومن شأن المواجهة في سوريا بين منطقتين تتواجهان ولا يمكن لأحد منهما أن يحقق انتصاراً حاسماً أن تهدّد وحدة سوريا.
لكلّ هذه المعطيات، خرج وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، بعد اجتماع مع نظيريه التركي والإيراني في قطر، ليدعو إلى “وقف الأعمال العدائية”، وإلى “حوار بين الحكومة السورية والمعارضة الشرعية”. ما يعني أنّ روسيا لا تريد أن تقاتل نيابةً عن الأسد.
تركيا: قراءة ذكيّة للمتغيّرات
أما تركيا فقد قرأت المتغيّرات في المنطقة على وقع حرب غزة ولبنان. وقرّرت أن تعزّز موقفها. إذ تدرك أنقرة تماماً أنّ الرئيس ترامب غير متحمّس للتدخّل في سوريا. وكان أراد الانسحاب كلّياً من المسرح السوري في ولايته الأولى.
واستفادت تركيا من انشغال منافسَيها روسيا وإيران.
– روسيا في الحرب في أوكرانيا.
– وإيران تحاول لملمة ما بقي من محورها الذي نسجته في السنوات الأخيرة من اليمن إلى لبنان.
– كذلك فإنّ واشنطن لا يزال موقفها ملتبساً في ما يخصّ الوضع الداخلي السوري. فهي لا تزال ترى أنّ سبب وجودها في سوريا هو الحرب على الإرهاب ومنع داعش من العودة إلى الحياة. لكنّ واشنطن في آخر عهد بايدن لا تمانع توجيه ضربة لبوتين بعدما صعّدت موسكو حربها ضدّ أوكرانيا.
الأسد بلا أصدقاء… وإسرائيل تترقّب
في الخلاصة، لا يوجد أصدقاء لنظام الأسد في سوريا. لكنّ المؤسّسات العسكرية والاستخبارية الأميركية التي عانت من مرحلة ما بعد سقوط نظام صدّام حسين تريد أن تتأكّد أنّ من سيخلف بشار الأسد لن يشكّل بيئة خصبة للقاعدة وداعش وتنظيمات متطرّفة أخرى.
قد يكون الموقف الأميركي إلى حدّ ما مشابهاً لموقف دول الخليج والأردن التي تخشى العودة إلى مرحلة إرهاب داعش والقاعدة، ولا تثق بنوايا الرئيس التركي إردوغان.
هناك أوساط غربية تتشكّك في قدرة تركيا على السيطرة على تصرّفات المجموعات الجهادية في سوريا، وتخشى قيام وضع مشابه لما كان قائماً بين باكستان وطالبان.
ولا يمكن تجاهل دور ومصلحة إسرائيل التي تخوض حرباً مع إيران ووكلائها في المنطقة سوريا مسرحاً لها. فعلى الرغم من غضبها من الدور الذي لعبه بشار الأسد في دعم الحزب، إلا أنّ تل أبيب لا تريد لإردوغان أن يكون على حدودها وأن يتمّ استبدال إيران والحزب بنظام يؤمن بعقيدة حماس ويمكن أن يشكّل بيئة خصبة لمجموعات جهادية تهدّد أمن إسرائيل.
وبالتالي، فإذا دخلت المواجهات الميدانية في مرحلة جمود وأدّت تقاطعات المصالح الإقليمية إلى خلق أمر واقع جديد، فإنّ وحدة الأراضي السورية ستكون مهدّدة على الرغم من تصريحات الجميع بأنّهم يريدون الحفاظ على وحدة سوريا. وإزاء هذا الواقع سيكون لجميع القوى دور في صياغة مستقبل سوريا… ما عدا نظام بشار الأسد.
موفق حرب