لا حكومة بدون الاتفاق مع المجلس النيابي

كتب عوني الكعكي:
يتابع الرئيس المكلف القاضي نواف سلام مشاوراته لتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون بعد انتخابه بـ99 صوتاً، فشكل انتخابه صدمة إيجابية بعد فراغ طويل… كذلك جاء اختيار القاضي نواف سلام رئيساً مكلفاً بـ84 نائباً صدمة إيجابية ثانية… حتى أن بعض المراقبين اعتبروا أن هاتين الصدمتين تشكلان انقلابين حقيقيين في الحياة السياسية اللبنانية.
ولكن… حتى تكتمل صورة هذين الانقلابين، لا بدّ من انتظار الانتخابات النيابية المقبلة… من هنا أقول إنّ المجلس النيابي الحالي المنتخب من قِبل الشعب، هو المخوّل بإعطاء الثقة للحكومة المقبلة… لذا فإنني أعتقد جازماً، أن لا حكومة تلوح في الأفق من دون الاتفاق مع المجلس النيابي الحالي.
ويمكن تلخيص النقاشات الحكومية الدائرة في هذه الأيام والتي تتعلق بالثوابت، بكونها حكومة اختصاصيين غير حزبيين، يتمّ فيها فصل النيابة عن الوزارة، وعدم توزير مرشحين للانتخابات النيابية المقبلة.. هذه الأفكار تقودني الى جملة أفكار أساسية أهمها:
أولاً: الحديث عن عدم إعطاء وزارة المالية للطائفة الشيعية الكريمة… ضربٌ من وضع العصي في دواليب قطار التأليف. فما معنى هذه المعارضة؟
نحن في هذا العهد السيادي الجديد، نريد وزراء أكفاء، نظيفي الكف، اختصاصيين يساهمون في نهضة لبنان من عثرته بغض النظر عن مذاهبهم الدينية.
وَلأعطِ أمثلة على ما أشرت إليه.. فحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري بالإنابة، أثبت جدارته وسِعة أفقه وعلمه وعدم انحيازه لأي فريق… واستطاع تثبيت سعر صرف الليرة، ونال إعجاب كل المراقبين وهو شيعي… فما الضرر في ذلك؟
والنائب السابق ياسين جابر، المطروح اسمه كوزير للمالية كواحد من الخيارات… فهو إنسان ناجح جداً، ورجل أعمال كبير، حتى أنه لا يريد النيابة ولا الوزارة… وهو إن قبل مسؤولية وزارة المالية، يكون مضحّياً بالكثير، ولبنان في أمسّ الحاجة إليه.
ثانياً: لنأخذ أمثلة أخرى، حين نتذكر الوزراء السابقين الذين اختارهم د. سمير جعجع رئيس «القوات اللبنانية»، لم يكونوا ناجحين جداً لأنهم مسيحيون… بل هم نجحوا بإخلاصهم وتفانيهم ووضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
في حين أن وزراء «التيار الوطني الحرّ»، وعلى رأسهم صهر الجنرال المدلّل، كانوا رموزاً للفساد والرشى، وأوقعوا لبنان في خسائر مادية، وعجزاً مالياً لا يزال يعاني من ارتداداته حتى اليوم. وهؤلاء هم مسيحيون أيضاً. فالعبرة ليست بالطائفة بل بالشخص نفسه.
ثالثاً: نسمع الكثير عن «تناتش» وتنافس بين الكتل على الوزارات السيادية.
يا جماعة… فلْيَأتِ أي وزير، ومن أي طائفة على سدّة هذه الوزارات… على أن يكون نظيف الكف، مخلصاً، أميناً صادقاً ومعطاء… وليكن اختياره، لا حسب طائفته بل حسب سيرته ومسيرته وسمعته.
رابعاً: يطالعنا عدد من النواب والكتل بالتهديد باللجوء الى المعارضة… أتمنى على هؤلاء أن لا يحكموا على أشخاص قبل التعرّف على صدقيّة أعمالهم وما سيقدمون خلال فترة تحملهم لمسؤولياتهم.
خامساً: إن المجلس النيابي الحالي، يتمتع بشرعية كاملة وهو شريك ومسؤول عند منحه الثقة للحكومة… ومن يعترض على ذلك، فلينتظر الانتخابات النيابية المقبلة، حتى تتغير الصورة. هذا إن تغيّرت، وأهلاً بالتغيير إذا كان ناجماً من إرادة الشعب.
سادساً: لقد جاء هروب بشار الأسد من سوريا، ليبعد عن لبنان ورقة ضغط كانت تمارس في الماضي الى حد كبير. كما أن استشهاد أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله وقادة الصف الأول في الحزب مع عدد من قياديي الصف الثاني، ليضعنا أمام مسؤولياتنا في اختيار وزراء أكفاء، قادرين على إخراج لبنان من مِحَنه ومصائبه، وفتح الآفاق بينه وبين أشقائه العرب خصوصاً في الخليج العربي، بغية نيل ثقة المستثمرين والسيّاح وعودة هذا الوطن الى سابق عهده، كمدرسة وجامعة ومستشفى للشرق.
وأخيراً، فإنّ المحاصصة والتنافس على كسب عدد أكبر من الوزارات يُدْخِل البلد في نفق مظلم في وقت نحن نحتاج الى كثير من العمل والإنتاج والإصلاح، وفق معايير وطنية واحدة وواضحة… ولنبتعد عن المذهبية والطائفية ولنتمسّك بمصلحة الوطن ولنأتِ بشخصيات معروفة نظيفة هدفها لبنان أولاً قبل أي اعتبار آخر.

aounikaaki@elshark.com