ربما لجأ “دونالد ترامب” للتهديد بفرض تعريفات جمركية كوسيلة للتفاوض مع الدول أو الضغط عليها، لكن إذا نفذها بالفعل فإنها ستكون بمثابة سلاح ذي حدين.
هدد الرئيس الأميركي المنتخب بفرض رسوم جمركية 25% على كل ما تستورده بلاده من المكسيك وكندا، و10% إضافية على السلع الواردة من الصين، في أول يوم من عودته للبيت الأبيض.
وبالتالي فإن أسعار تلك المنتجات قد ترتفع في أميركا وهو ما يتناقض مع وعوده الانتخابية المتعلقة بتوفير استراحة من التضخم للأسر الأميركية.
وذلك لأن الشركات لن يكون أمامها خيار سوى تمرير تلك التكاليف الإضافية للمستهلكين، ما يرفع أسعار كل شىء بصورة كبيرة بدءًا من المواد الغذائية والملابس والسيارات وغيرها.
وزعم “ترامب” وحلفاؤه أن التعريفات الجمركية التي فرضها في ولايته الأولى لم تعزز التضخم، وأنها يمكن أن تقدم مكاسب قيمة للعاملين والشركات الأميركية، منها حماية وظائف التصنيع والإيرادات الفيدرالية.
المواد الغذائية وغيرها
في عام 2023، زودت المكسيك الولايات المتحدة بنحو 63% من وارداتها من الخضراوات و47% من وارداتها من الفواكه والمكسرات.
وبالطبع حال فرض التعريفات سترتفع فواتير البقالة، لأن أميركا تعد أكبر مشتر للمنتجات الزراعية من المكسيك بما يشمل الفراولة والتوت والفلفل والطماطم وقصب السكر والأفوكادو، وفقًا لوزارة الزراعة الأميركية.
يأتي ما يقرب من 90% من واردات أمريكا من الأفوكادو -الذي يستخدمه المستهلكون بشكل متزايد- من المكسيك وما يصل إلى 35% من عصير البرتقال، و20% من الفراولة.
وتشمل صادرات كندا البطاطس والكاكاو، إلى جانب أنها تزود الولايات المتحدة بمواد أخرى بقيمة عشرات المليارات تشمل البلاستيك والمستحضرات الصيدلانية والمواد الكيميائية والحديد والصلب والألومنيوم، وغيرها.
وأوضح رئيس الرابطة “آلان سيجر”: التعريفات الجمركية تشوه السوق وسترفع الأسعار في سلسلة التوريد، ونتيجة لذلك ستزيد التكلفة على المستهلك.
حتى الأحذية ستضرر من تلك الرسوم، إذ يتم استيراد 99% من الأحذية المبيعة في أمريكا من دول أخرى، مع 56% منها تأتي من الصين، وفقًا لبيانات مجموعة “موزعي وتجار التجزئة للأحذية في أمريكا” المعروفة اختصارًا بـ “إف دي آر إيه” والتي تمثل شركات كبرى منها “نايكي” و”وول مارت”.
الإلكترونيات الاستهلاكية
صدرت المكسيك سلعًا إلكترونية بأكثر من 50 مليار دولار لأميركا في العام الماضي، بينما بلغت قيمة صادرات كندا من الآلات والمعدات الإلكترونية ما يزيد على 40 مليار دولار.
يرى “سكوت لينسيكوم” خبير التجارة لدى المجموعة البحثية “كاتو إنستيتيوت” أن سلسلة الرسوم الجمركية الجديدة قد ترفع تكاليف كل شيء بدءًا من المكانس الكهربائية التي تُصنع الكثير منها في الصين.
ماذا عن أسعار السيارات؟
صدرت المكسيك مركبات وأجزاءها بأكثر من 150 مليار دولار في العام الماضي إلى أميركا، بينما بلغت قيمة صادرات كندا من نفس البنود ما يزيد على 50 مليار دولار، حسب بيانات “تريدينج إيكونومكس”.
تستورد الأميركية “جنرال موتورز” حوالي 30% من المركبات التي تبيعها في الولايات المتحدة من كندا والمكسيك، وتأتي حوالي 55% من شاحنات البيك آب من البلدين.
وفقًا لمزودة البيانات “جلوبال داتا”، فإن 15% من بين 15.6 مليون سيارة جديدة بيعت في الولايات المتحدة العام الماضي جاءت من المكسيك، و8% من كندا.
لذلك ربما يواجه من يتطلعون لشراء سيارات جديدة في أمريكا زيادات كبيرة في الأسعار التي تعد مرتفعة بالفعل، إذ يبلغ متوسط سعر السيارة الجديدة حوالي 48 ألف دولار.
وأوضح “سي جيه فين” مسؤول قطاع السيارات الأميركي لدى “بي دبليو سي” أن الكثير من تلك التعريفات ستنتقل إلى المستهلكين ما لم يتمكن صانعو السيارات بطريقة ما إجراء تحسينات سريعة تتعلق بالإنتاجية، وهو ما يعني تخارج المزيد من المستهلكين من السوق.
أسعار البنزين
أما عن الوقود، فعلى الرغم من أن أميركا أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم إلا أنها لا تزال تستورد الكثير، حيث توفر كندا ما يقرب من 20% من النفط المستخدم في أميركا.
كندا أكبر مصدر للنفط الخام للولايات المتحدة، وبلغت صادراتها من النفط مستويات قياسية في يوليو بلغ متوسطها أكثر من 4 ملايين برميل يوميًا، وصدرت نفطًا بقيمة تقارب 20 مليار دولار لأميركا في 2023.
وذكرت شركة الأبحاث “بي سي إيه ريسيرش” لـ “بوليتيكو” في أكتوبر أن رفع التعريفات الجمركية إلى 10% قد يرفع أسعار البنزين في أمريركا بما يصل إلى 5%، أما إذا بلغت الرسوم 25% فإن متوسط السعر قد يرتفع أكثر من ذلك.
وحذر “باتريك دي هان” المحلل لدى “جاز بادي” أن التعريفات الجمركية المحتملة على الواردات الكندية من شأنها أن تؤثر على أسعار الخام الذي يتم استيراده من غرب كندا ويتم تكريره في مرافق أميركية.
وتوقع ارتفاع أسعار البنزين بمقدار من 30 إلى 40 سنتًا للجالون، وربما تصل الزيادة إلى 70 سنتًا للجالون في غضون يومين من بدء سريان تلك الرسوم.
وهو ما يبرز ان فرض اميركا تعريفات جمركية على شركائها لتجاريين سيضر بصورة كبيرة بصناعاتها وعلى البنود اليومية التي ينفق عليها مستهلكوها وبالتالي زيادة التضخم بدلا من معالجته.