كيف دَمّر مشروع ولاية الفقيه العراق [الحلقة الثانية]

كتب عوني الكعكي:

تحدثنا البارحة عن مخطط وزير خارجية أميركا هنري كيسينجر، من أجل القضاء على الجيش العراقي، فاتنا موضوع حصار قوات الحرس الثوري عام 1978 على السفارة الأميركية في طهران… وكيف كان الرئيس رونالد ريغان مرشحاً للرئاسة الأميركية، ونذكر تصريحه الذي يحذر فيه الحرس الثوري الذي كان يحاصر السفارة الأميركية بأنه لو انتخب رئيساً، فلن يسمح بحصار السفارة ولو ليوم واحد.. وهدّد بأنه سيمحو إيران من الخارطة.

وبالفعل، بعد مرور 444 يوماً والسفارة الأميركية محاصرة، وبعد انتخاب الرئيس رونالد ريغان فُكّ الحصار عن السفارة في اليوم نفسه. وللمعلومات فإنّ أحد أبرز المحاصرين من الحرس الثوري كان محمود أحمدي نجاد الذي أصبح رئيساً لإيران في فترة لاحقة بعد الحصار.

بعد الدمار الكبير الذي خلفته الحرب الإيرانية ـ العراقية في البلدين، صار الجيش العراقي شبه مدمّر. لكن الرئيس صدّام حسين الذي كان يعتبر أنّ حربه ضد إيران كانت دفاعاً عن دول الخليج، وعن المملكة العربية السعودية تحديداً، وعن العرب أجمعين، ويجب على العرب أن يعوّضوا عليه مالياً ومعنوياً. وهنا برزت المشكلة فقام بغزو الكويت في آب عام 1990، وبقي حوالى السنة فيها، ونتج عن الاحتلال العراقي لدولة الكويت أن المملكة العربية السعودية وبطلب من الملك فهد موجه للرئيس الأميركي جورج بوش، طالبت باسترجاع الكويت مهما كان الثمن، وأنّ المملكة على استعداد لأن تدفع جميع التكاليف. وبالفعل قامت أميركا بحشد 500 ألف عسكري شاركتهم فرقة من سوريا…

وتحرّرت الكويت بالفعل، وصار العراق تحت الحصار، إذ حُدّد له الإنتاج النفطي، وطرحت معادلة جديدة اسمها: «النفط مقابل الغذاء». وظلّت هذه الحال حتى العام 2003 يوم قرّر الرئيس بوش غزو العراق تحت 3 شعارات هي:

أولاً: القضاء على الإرهاب.

ثانياً: تدمير الأسلحة الكيميائية وأسلحة الدمار الشامل.

ثالثاً: تحرير الشعب العراقي من ظلم الرئيس صدّام حسين.

جاء الردّ على الرئيس الأميركي بوش من مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” التي كتبت:

أولاً: لم يكن هناك من إرهابيين في العراق، ولكن بعد الاحتلال ولدت بيئة إرهابية تريد تحرير العراق.

ثانياً: لم يجد الأميركيون أسلحة دمار شامل داخل العراق.

ثالثاً: قرّر العراقيون تحرير العراق، فنشأت مقاومة منظمة دخل فيها الكثير من الجماعات الإسلامية المسلحة وغيرها من القوى المحلية الأخرى.

المصيبة انه عندما احتل الرئيس بوش العراق أعلن حلّ الجيش العراقي.. وهكذا ترك مليون جندي عراقي من دون رواتب… ومن دون طعام، «خلق» بيئة حاضنة للإرهاب.

والمصيبة الأكبر أن احتلال العراق فتح الباب للإيرانيين كي يتحكموا بالعراق.. وبالفعل أصبح الحاكم العسكري الفعلي للعراق هو اللواء قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الذي خصّص لنفسه 6 مليارات دولار من بيع النفط، وراح يصرفها على إنشاء الميليشيات العراقية المتطرفة وهي: الحشد الشعبي، عصائب أهل الحق، سرايا طليعة الخراساني، كتائب الشهداء، حركة حزب الله النجباء، كتائب حزب الله، سرايا السلام، فيلق الوعد الصادق ومنظمة بدر. وكان يدفع رواتب المقاتلين في الميليشيات ويرسلها الى الحكومة العراقية وكأنهم جنود عراقيون، ويدفع من الـ6 مليارات رواتب وأسلحة لحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.

وهكذا تحوّل العراق من أغنى دولة عربية على صعيد النفط والغاز والقوة البشرية «40 مليون نسمة» وفيه نهران: دجلة والفرات وأراضٍ زراعية شاسعة الى أفقر دولة صارت غارقة في ديون كبيرة.

باختصار، تحقق الهدف الذي رسمه كيسينجر بدقة متناهية، ودُمّرت الدولة العراقية ودمّر الجيش العراقي، وأصبحت العراق دولة من دون جيش حقيقي تحكمها ميليشيات دينية متطرّفة.

غداً سوف نتحدّث عن بقية مشروع كيسينجر.

[وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة]

aounikaaki@elshark.com