بقلم محمد قواص
«أساس ميديا»
لم يصدر عن واشنطن أو أيّ عاصمة غربية أيّ مواقف “جدّية” بإمكانها أن تشكّل عائقاً أمام إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، لوقف حربها في قطاع غزّة ولبنان. حتى السجال بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص لبنان بالذات، بقي حدثاً هامشياً، ولم يحظَ موقف باريس بأيّ حاضنة ذات مصداقية داخل الاتحاد الأوروبي. ووفق هذا الواقع فإن “اللحظة الإسرائيلية” في الشرق الأوسط ستبقى تحظى برعاية غربية ومواكبة روسية – صينية تشجّعان خطط نتنياهو ولا تردعانها.
تهدف كلّ الهمم التي تبذلها الولايات المتحدة لاحتواء الحرب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين، في محاولات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والمبعوث الرئاسي آموس هوكستين… ففي زيارتَيهما للمنطقة يحاولان إنتاج “حالة” مساعدة على انتخاب مرشّحة الحزب الديمقراطي الحاكم كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني المقبل. وعلى قاعدة المصالح في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة، تقوم أيضاً خطط نتنياهو في جبهتَي لبنان وغزّة كما الجبهة المحتملة والموعودة ضدّ إيران على مساعدة انتخاب دونالد ترامب. وتكمن هنا معادلة مصالح متنافرة في الاستحقاق الرئاسي الأميركي لا يمكن أن توفّر تقاطعاً بين نتنياهو وجهود واشنطن.
ينهل رئيس الحكومة الإسرائيلي من هذه “اللحظة” التي لا تنضب منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023). يكفي تأمّل المدى الذي وصلت إليه حروبه في غزّة ثمّ في لبنان لاستنتاج أنّه ينفّذ إرادة غربية لم يصدر عنها أيّ اعتراض. طوى هذا الغرب صفحة تعامل قديم مع “الحالة” الإيرانية وامتدادها في المنطقة، وبات مطلوباً تغيير قواعد اللعبة. وهذا ما تفعله تماماً إسرائيل. وإذا ما كان الردّ الإسرائيلي الموعود ضدّ إيران سيحدّد أقصى سقف مسموح لتغيير هذه القواعد، فإنّ متطلّبات هذه المهمّة وما تحتاج إليه من درجات توتّر عالية تتيح لنتنياهو احتكار زمام المبادرة حتى إشعار آخر مرتبط مباشرة بصناديق الاقتراع الأميركية.
نتنياهو يكرّر ما فعلته إيران
تعرف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ نتنياهو غير معجب بسيّد البيت الأبيض، وليس مغرماً بهاريس المرشّحة لوراثته، ويعوّل الكثير الكثير على إعادة انتخاب مرشّح الحزب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ووفق هذه الحقيقة لن تقدّم إسرائيل خدمات رئاسية للحزب الديمقراطي وستغدق على حملة المرشّح الجمهوري الهدايا في هذا الصدد. هذا تماماً ما فعلته إيران قبل ربع قرن.
كانت إيران قد عملت، بالتواطؤ مع الحزب الجمهوري ووكالة المخابرات المركزية CIA، على عدم إبرام أيّ صفقة لإنهاء أزمة صفقة الرهائن في السفارة الأميركية في طهران تخدم حملة الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر الرئاسية. نقل عن كارتر لاحقاً اتّهامه لـ CIA بالتورّط في تعطيل عملية عسكرية جرت في 24 نيسان 1980 كانت تهدف إلى تحرير الرهائن. قتل حينها في تصادم للمروحيّات المشاركة في العملية 8 جنود وجُرح آخرون. بعد أقلّ من عام، في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ريغان، أبرمت واشنطن صفقة مع طهران حرّرت 52 رهينة أميركية بعد 444 يوماً من الاحتجاز.
إيران لن تتنازل في لبنان
لا أحد في المنطقة يريد التنازل أو تبديد أوراقه قبل أن تُفتح الصناديق ويعرف العالم من سيقود الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة. عدم التنازل منطقي في الحالة الإسرائيلية، وهو كذلك في الحالة الإيرانية. وفي ضوء هذه المسلّمة تُصدر طهران المواقف تلو المواقف لتؤكّد أن لا صفقة في لبنان من دون أن تمرّ بصفقة مع إيران. ولئن أبدت حكومة تصريف الأعمال في بيروت، على لسان رئيسها نجيب ميقاتي، غضباً من “وصاية” إيرانية تسعى إليها تصريحات رئيس مجلس الشورى الإسلامي محمد باقر قاليباف بشأن التفاوض لإنهاء الحرب في لبنان، فإنّ الجهد العسكري للحزب سينصبّ في مصلحة تثبيت هذه الحقيقة الإيرانية حتى لو تسبّب ذلك بمزيد من الخسائر في صفوف الحزب وبيئته وكلّ لبنان.
تسعى واشنطن، من خلال مبعوثها الرئاسي خصوصاً، إلى تكريس الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحزب من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان يُعاد بعده تكوين السلطة. يذهب هوكستين إلى معادلة أميركية تربط وقف إطلاق النار بعملية الانتخاب هذه. يعتبر أنّ حصان انتخاب رئيس سابقٌ على عربة إنهاء الحرب. تردّ معادلة واشنطن على معادلة طهران التي ترفض أيّ عملية انتخابية قبل وقف إطلاق النار. وهنا أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري الأمر من جديد، متّسقاً تماماً مع وصايا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي في بيروت وما أعلنه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من أنّ “مناقشة أمور أخرى” (انتخاب رئيس) تأتي بعد وقف إطلاق النار.
إسرائيل ترفع الشّروط ولن تتنازل أيضاً
إذا كانت إدارة بايدن تريد تحقيق إنجازات في لبنان تخدم حملة هاريس الانتخابية، فإنّ إسرائيل ترفع، في ما نُشر من شروط، من سقوفها للموافقة على وقف إطلاق النار هذا، بما يشمل تعديلات جوهرية لقرار مجلس الأمن رقم 1701 ووسائل تطبيقه، إضافة إلى وجود إسرائيلي طويل الأمد في جنوب لبنان للتأكّد من أمان سكّان شمال إسرائيل وسلامة عودتهم إلى منازلهم. وفي ثنايا تلك الشروط ما تدفع به واشنطن من أجل تغيير مضمون وشكل السلطة الحاكمة في بيروت.
لن تكون هناك نهاية لحروب نتنياهو في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية. والواضح أنّ نهايات تلك الحرب قد تكون شديدة الاختلاف في ظلّ إدارة هاريس عمّا ستكونه في ظلّ إدارة ترامب. وإذا ما كانت إيران أيضاً رقماً صعباً في تحديد شكل هذه النهايات وموازين القوى التي ستليها، فإنّ أحد أهداف الضربات العسكرية التي ستوجّهها إسرائيل إلى إيران هو إضعاف قدرات طهران وتضييق هامش مناوراتها للتأثير على مآلات الحرب ومنع أرجحية ميزان القوى لمصلحة إسرائيل.
يهمّ نتنياهو أن يطلّ على ساكن البيت الأبيض الجديد بإنجاز يريده هائلاً تاريخياً في ضربات ضدّ إيران تغيّر، حسب ما يطمح، موازين الشرق الأوسط. وسيكون، بالمقابل، من مصلحة إيران أن تلاقي الإدارة الجديدة بأوراق تبقيها عنواناً لأيّ حلّ في الشرق الأوسط حتى لو خسرت أوراقاً كثيرة أطاح بها “طوفان” السنوار منذ أكثر من عام.
محمد قواص