كشفت مشكلة انقطاع “مايكروسوفت” عن مدى هشاشة البنية التحتية الرقمية للمجتمعات في العالم، إذ تسبب العطل في حال من الفوضى في عدد من القطاعات الحيوية، فالمطارات ومحطات السكك الحديد وعيادات الأطباء شهدت تعطلاً كبيراً، مما أدى إلى إلغاء الرحلات الجوية وتعطل الوصول إلى السجلات الطبية.
وواجهت المطارات تعقيدات كبيرة، إذ تعطلت نظم الحجز الإلكتروني ولوحات المعلومات مما اضطر عدداً من شركات الطيران إلى إلغاء رحلاتها وتأخيرها، تاركة المسافرين عالقين في المطارات من دون أية معلومات واضحة عن رحلاتهم.
ولم تكن محطات السكك الحديد في مأمن من هذه الفوضى، إذ تعطلت نظم الحجز والتشغيل، مما أدى إلى تأخير وإلغاء عدد من القطارات.
وفي المجال الصحي كان الأثر أشد خطراً، إذ تعذر على الأطباء الوصول إلى السجلات الطبية للمرضى، مما عرقل تقديم الرعاية الصحية في الوقت المناسب وأدى إلى تأجيل عدد من العمليات الجراحية والاستشارات الطبية.
وأظهر هذا الانقطاع بوضوح مدى اعتماد المجتمع على التكنولوجيا في تسيير حياته اليومية ومدى تأثير أي خلل في هذه البنية التحتية على الحياة العامة والخاصة.
وتجدر الإشارة إلى أن حادثة انقطاع “مايكروسوفت” لم تكن مجرد عطل تقني عابر، بل كانت بمثابة اختبار حقيقي لقدرة المجتمعات على التعامل مع حالات الطوارئ الرقمية، لذا أصبح من الضروري الآن إعادة تقييم مدى استعداد العالم لمثل هذه الأزمات والعمل على تقوية البنية التحتية الرقمية لضمان استمرار تقديم الخدمات الحيوية من دون انقطاع.
وعلى رغم أن كل ما استغرقه الأمر كان تحديثاً غير مؤذ للنظام ولكن كان هناك ملف مفسد أُرسل إلى مليارات من أجهزة “مايكروسوفت” حول العالم، وقد أثبت أنه كاف لإحداث يوم من الفوضى العالمية، مما أثر بشدة في عدد من القطاعات الحيوية مثل شركات الطيران والمستشفيات والبنوك.
ليستيقظ الناس في جميع أنحاء العالم ليجدوا أجهزة الحواسيب المحمولة والمكتبية وحتى اللوحات الإعلانية الضخمة في مدينة نيويورك تعرض ما يعرف بشاشة “الموت الزرقاء”، وكانت هذه الظاهرة واضحة بصوة خاصة في الأماكن العامة والمناطق ذات الازدحام الكبير.
ضعف العالم أمام عمالقة تكنولوجيا المعلومات
ولكن ما صدم كثيراً خارج الدوائر التكنولوجية هو مدى ضعف العالم أمام عمالقة تكنولوجيا المعلومات فالشركة “كراود سترايك”، التي كانت في قلب الانقطاع هي في النهاية شركة أمن سيبراني عالمية مكلفة بمنع حدوث مثل هذه الحالات.
وكان هذا الانقطاع هو الأسوأ بلا شك في الأعوام الأخيرة، ولكنه لم يكن الحادثة الوحيدة المهمة، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2020، توقفت بعض من أشهر خدمات غوغل مثل “يوتيوب” و”جي ميل” و”غوغل درايف” لمدة ساعة، مما أثر في العملاء.
القطاع الصحي
أما في القطاع الصحي تأثرت آلاف عيادات الأطباء العامين في توقف نظام تكنولوجيا المعلومات، إذ ألغيت مواعيد المرضى وتأجلت العلاجات. وأفادت هيئة الصحة الوطنية البريطانية بأن انقطاع خدمات “مايكروسوفت” العالمي أثر في معظم عيادات الأطباء العامين في إنجلترا، التي تستخدم نظاماً كمبيوترياً يسمى”إيه أم أي إس” الذي لم يكن يعمل.
أيضاً لم يتمكن الأطباء من الوصول إلى سجلات المرضى، وحجز الفحوص أو إحالة المرضى إلى المستشفيات، واضطروا إلى الاعتماد على القلم والورق لتدوين الملاحظات.
وتأثرت كذلك بعض مستشفيات هيئة الصحة الوطنية أيضاً في توقف النظام، إذ أعلنت مستشفى “رويال سوري” عن حال طارئة واضطرت إلى إلغاء مواعيد العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان، وشهدت الصيدليات تأخيرات في وصول الوصفات الطبية عبر نظام الأطباء العامين.
ومع ذلك لم تتأثر معظم المستشفيات وخدمات الطوارئ 999، إذ قالت رئيسة الكلية الملكية للأطباء البروفيسورة كاميلا هوثورني لصحيفة الـ”تايمز” “يخبرنا أعضاؤنا أن انقطاع اليوم يسبب اضطراباً كبيراً في حجز مواعيد الأطباء العامين وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، ويبدو أن العيادات التي تستخدم أنظمة “إيه أم أي إس” تأثرت بصورة خاصة”.
السكة الحديد
في غضون ذلك استمرت الاضطرابات في السكك الحديد حتى نهاية اليوم، إذ كانت الإلغاءات المفاجئة هي السبب الأكبر في المشكلات التي واجهها الركاب.
وأثر الانقطاع في التخطيط الداخلي بما في ذلك أنظمة تحديد مواقع السائقين، إضافة إلى الشاشات والخدمات التي تقدم المعلومات في الوقت الحقيقي في المحطات.
في حين قالت شركة “نيت وورك ريل” إن “أنظمة التحكم الأساسية في القطارات والاتصالات والتشغيل لم تتأثر”.
خدمات المصرفية والمالية
وفي بريطانيا أبلغ بنك مترو عن انقطاع في خطوط الهاتف الخاصة به، مما ترك العملاء يواجهون صعوبة في الوصول إليه، ومع ذلك لا يزال العملاء قادرين على إجراء التعاملات عبر التطبيق أو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
وقال بنك “باركليز” إن خدماته تعمل مثل المعتاد بخلاف منصة الاستثمار الرقمي “سمارت إنفيستور”، بينما قال منظمو التمويل والدفع في بريطانيا إنهم يدرسون تأثير انقطاع تكنولوجيا المعلومات في القطاع المصرفي.
ولم تكن هناك تقارير مؤكدة عن صعوبات تجارية نتيجة للانقطاع، ولكن كانت هناك بعض الدلائل على حدوث اضطرابات في المؤسسات المالية الأصغر، إذ قال أحد المتداولين في لندن إن عدداً من مرافق التجارة المتعددة الأطراف تأثرت، مما ترك بعض العملاء غير قادرين على التجارة.
السوبر ماركت والشارع الرئيس
في الأثناء كانت هناك تقارير عدة تشير إلى تعطل ماكينات بطاقات السوبر ماركت في بريطانيا، مع قيام “ويتروز” بالتعامل نقداً وحسب في بعض المتاجر خلال صباح الجمعة وأكد متحدث باسم شركة “موريسونز” أيضاً أن السلسلة عانت مشكلات في وقت سابق في ذلك اليوم.
في الوقت ذاته أبلغت سلسلة المخابز والمقاهي “غيل” عن مشكلات، إذ يقدم فرع واحد في الأقل للعملاء القهوة مجاناً نتيجة لذلك.
ولم يتمكن العملاء في أحد فروع “ويثرسبون” البالغ عددها 800 فرع من الدفع باستخدام البطاقات أو باستخدام تطبيق الشركة.
وسائل الإعلام العالمية
إلى ذلك أُجبرت شبكات التلفزيون في جميع أنحاء العالم على التوقف عن البث، وكانت “سكاي نيوز” و”سي بي بي سي” القناتين البريطانيتين الوحيدتين اللتين أبلغتا عن مشكلات كبيرة مع انقطاع البث لساعات عدة في صباح أول من أمس الجمعة، وحتى عند إعادة البث في وقت لاحق من اليوم، كانوا يفعلون ذلك من دون حزم رسوم الخلفية المعتادة.
وفي الولايات المتحدة كانت قنوات “باراماونت” بما في ذلك “أم تي في” غير متصلة بالإنترنت لساعات عدة إلى جانب قنوات الكابل الخاصة بــ”إيه أس بي إن” كذلك توقفت قناة “إيه بي سي نيوز” أستراليا عن البث لساعات، لتكون أكثر وسائل الإعلام تضرراً في البلاد.
العدالة والأمن
من جهتها قالت وزارة الداخلية البريطانية إنها لم تشهد أي تأثير من انقطاع التيار الكهربائي ولم تتأثر أي من وكالات الاستخبارات أو قوات الحدود أو أنظمة الأمن القومي بسبب المستويات الأعلى من البرامج الضارة والحماية السيبرانية المعمول بها للحماية من التهديدات.
ولم تتأثر السجون أيضاً في الانقطاع، في حين كان الفرع الوحيد لوزارة العدل الذي تأثر هو هيئة التعويض عن الإصابات الجنائية.