بقلم خيرالله خيرالله
بغض النظر عن مدى أهمّية القمة العربيّة التي انعقدت في المنامة أو عدم أهميتها، وبغض النظر عن مرور كلّ هذه الشهور على حرب غزّة التي رافقتها وحشية إسرائيليّة لا حدود لها، كان لافتا محاولة إيران تمرير لعبة على القمّة. سيتبيّن في المستقبل القريب هل استطاعت «الجمهوريّة الإسلاميّة» تمرير لعبتها التي إستُخدم فيها النظام السوري الذي استعاد موقع «الجمهوريّة العربيّة السوريّة» في جامعة الدول العربيّة؟
فحوى اللعبة الإيرانيّة، التي يفيد التوقف عندها، الترويج لوجود خلافات بين «الجمهوريّة الإسلاميّة» والنظام السوري وأن رئيس النظام بشّار الأسد يحاول فعلا التفلّت من القبضة الإيرانيّة. كان آخر ما اطلق من بالونات إختبار الإعلان عن إتخاذ السلطات الأمنيّة السوريّة إجراءات تمنع الإيرانيين أو عناصر من الميليشيات المذهبيّة التابعة لـ»الحرس الثوري» من الصلاة وتأدية شعائر معيّنة في حرم المسجد الإموي.
لم تكن هناك إشارة بالإسم إلى الإيرانيين الذين يزورون دمشق ويجوبون فيها أو لعناصر الميليشيات التابعة لـ»الحرس الثوري»، لكن الواضح أنّ المطلوب كان إظهار أنّ هناك تغييرا ما حصل في سوريا يصبّ في إتجاه الإبتعاد عن إيران، وإن ضمن حدود معيّنة، إنطلاقا من المسجد الأموي وما يرمز إليه عربيّا.
لا يدلّ على حجم التعقيدات التي تمرّ فيها المنطقة ومدى عمقها أكثر من عجز العالم، ومن ضمنه العرب، عن التوصل إلى وقف النار في غزّة من جهة وإستمرار حروب إيران، بدءا من جنوب لبنان وتعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وسعي «الجمهوريّة الإسلاميّة» إلى إختراق جامعة الدول العربيّة من جهة أخرى.
لكنّ هذا الواقع لا يحول دون الإشارة إلى بعض الإيجابيات التي من بينها طرح عربي للمرّة الأولى، من خلال قمّة المنامة، لضرورة نشر قوات أممية في غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة تمهيدا لقيام دولة فلسطينيّة مستقلّة. في غياب تصوّر إسرائيلي وأميركي لمرحلة ما بعد حرب غزّة، ثمة كلام عربي يتحدّث للمرّة الأولى عن تصور واضح لما مرحلة ما بعد غزّة. أكثر من ذلك، أقدم رئيس السلطة الوطنيّة محمود عباس (أبو مازن) على خطوة كان عليه الإقدام عليها في السابع من تشرين الأول – أكتوبر الماضي لدى شنّ «حماس» هجوم «طوفان الأقصى». تتمثّل هذه الخطوة بإدانة هذا الهجوم وكشفه أنّه أوجد «مبرّرات» لما تقوم به إسرائيل منذ حصول «طوفان الأقصى». إحتاج «أبو مازن» إلى ما يزيد على سبعة أشهر ليتصرّف كرجل دولة. هل يحتاج إلى سبعة أشهر أخرى لإكتشاف مدى ترهّل السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ومدى فشلها في أن تكون في مستوى المرحلة التي تمرّ بها القضيّة الفلسطينية والمنطقة كلّها.
يبقى الأهمّ من ذلك كلّه تفادي السقوط في الفخّ الإيراني. هذا يعنى الإستفادة من وجود بشّار الأسد في المنامة لسؤاله في اثناء القمة عن مدى جديته في التفلّت من إيران، علما أنّ تاريخ الرجل، الذي غطّى جريمة إغتيال رفيق الحريري في العام 2005، لا تشجّع على ذلك.
كان يمكن على سبيل المثال أن يسأل العرب في قمة البحرين أنفسهم ثمّ سؤال بشّار: لماذا لا اعلان رسميّا بانتهاء الحاجة الى الوجود العسكري الايراني في سوريا ما دام النظام يعتبر أنّ الحرب انتهت؟ لماذا لم يطلب النظام رسميّا خروج القوات الإيرانية والقوّات الاخرى المدعومة من طهران من الاراضي السورية؟
سيكون واردا إعتبار النظام السوري جدّيا في محاولة الخروج من تحت العباءة الإيرانيّة عندما تطلب دمشق من «حزب الله» الذي هو اداة عسكرية إيرانية الخروج من الاراضي السورية. المعني بذلك تلك المناطق التي يسيطر عليها الحزب والتي هجّر اهلها منها، على أن يلي ذلك السماح لاهل تلك المناطق بالعودة اليها. الحديث هنا عن القصير، غرب حمص، وعن الزبداني وعن وبلدات القلمون السوري وارياف حلب، على سبيل المثال وليس الحصر.
يمكن الحديث أيضا عن جدّية سوريّة عندما تطلب دمشق رسميّا من كل الميليشيات الايرانية التمويل وذات الجنسيات المتعددة (الباكستانية والافغانية والعراقية) الخروج من كل الاراضي السورية والغاء الإقامات المؤقتة التي أعطيت لأفراد هذه الميليشيات وسحب الجنسية السوريّة التي اعطيت لكثيرين بغية المساهمة في التغيير الديموغرافي وترجيح الكفة الشيعية في مناطق معيّنة.
كذلك، يمكن الحديث عن جدّية سوريّة عندما تعلن دمشق عن الغاء الاتفاقات الدفاعية التي وقعتها مع ايران والتي تفرض وجود الالاف من «المستشارين» الايرانيين داخل وحدات الجيش السوري والفروع الامنية وقوات الفرقة الرابعة… وعندما يخرج من معامل مؤسسة الدفاع السورية ومنشآتها كل المهندسين العسكريين الايرانيين الذين حولوا قسما من معامل تلك المؤسسة الى معامل لصنع الصواريخ وتطوير المسيرات لارسالها الى «حزب الله» في لبنان او الى الحوثي في اليمن.
يتعلّق الأمر أيضا بإعلان وزارة الدفاع السورية عن اغلاق المراكز العسكريّة التي يستخدمها «الحرس الثوري» الايراني لتدريب الميليشيات اقليمية عربية تابعة لايران مثل مقاتلي «بوليساريو» والحوثيين ومعارضين بحرينيين. يدرّب «الحرس» هؤلاء قبل ارسالهم الى مناطق معيّنة للتحضير لدور مستقبلي لهم، دور يزعزع الإستقرار في دول معيّنة أو عند حدود هذه الدول.
أخيرا، يمكن الحديث عن جدّية سوريّة عندما تعلن الدولة السورية، التي يسيطر عليها النظام الأقلّوي، رسميا عن حجم الدين السوري لايران ونوع هذا الدين وطرق السداد المتفق عليها بين الطرفين بكل شفافية ووضوح… وعندما تعلن دمشق عن سياسة عامة لمحاربة تصنيع المخدرات، خصوصا الكبتاغون في الاراضي السورية والقاء القبض على عصابات تصنيع المخدرات وتهريبها… مع وقف تهريب أسلحة إلى الأردن المستهدف إيرانيّا.
تبدو إيران أكثر من جدية في دعم وجود النظام السوري في جامعة الدول العربيّة. تريده جسرا من بين الجسور للإلتفاف على العقوبات الدوليّة. هل تنطلي اللعبة على العرب وهل دخلت قمّة المنامة التي حضرها الأسد الإبن، لكنه حرمها من كلمة له تتضمن نكاتا وشماتة ورسائل إيرانيّة، في سياق هذه اللعبة؟
خيرالله خيرالله