قلق استراتيجي في إسرائيل من ترامب: القصة مع البيت الأبيض أبعد من موضوع نتنياهو!!.

بقلم ناصر شرارة

«الهديل»

يسود إسرائيل نوع من الوجوم منذ عودة نتنياهو من لقائه مع ترامب في البيت الأبيض؛ وهو اللقاء الذي وصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه كان سيئاً بالمضمون رغم ما تخلله من مجاملات..

الملاحظة اللافتة هنا هي أن الوجوم لم يصب فقط أنصار نتنياهو بل أيضاً خصومه؛ فهؤلاء الأخيرون هم من جهة شامتون بنتنياهو كونه رأى بأم عينيه أن حليفه الأميركي (ترامب) الذي انتظره سنوات ليشد أزره به؛ يتبين الآن أنه ينظر إليه على أنه زيلنسكي إسرائيل؛ وأنه تقصد (أي ترامب) تأديبه، ولو بشكل أخف مما حدث مع زيلنسكي؛ ولكن من جهة ثانية فإن خصوم نتنياهو هؤلاء يبدون خشية مضمرة من أن يتحول ضغط ترامب المطلوب من قبلهم على نتنياهو إلى ضغط غير مطلوب من قبلهم، على إسرائيل..  

الفكرة هنا تتعلق بترامب بذاته بغض النظر عن الطرف الذي يتعامل معه في إسرائيل، سواء كان نتنياهو أو نفتالي بينت أو يائير لابيد أو جدعون ساعر (الخ..)؛ فترامب كتوجه عام يرسل للإسرائيلي بغض النظر عن موقعه الحزبي، رسالة عدم استقرار؛ والسبب في ذلك هو شعور كل الإسرائيليين يمنيين كانوا أم ليبراليين أم يساريين، أن البيت الأبيض في عهد ترامب يؤسس لنظرة لإسرائيل مغايرة حيث فيها تأييد ولكن بنفس الوقت فيها عقوبات جمركية(!!)؛ وفيها دعم ولكن بنفس الوقت فيها تذكير مهين لإسرائيل بأن عليها ان لا تنسى في أي موقف تتخذه بأن الولايات المتحدة الاميركية تقدم لها دعماً سنوياً بقيمة ٤ مليار دولار.. فبايدن مثلاً أو أي من الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه كانوا موجودين داخل مربع أنهم مطالبون بزيادة الدعم لإسرائيل؛ أما ترامب فلقد غير شكل تموضع سيد البيت الأبيض بمقابل إسرائيل وبدل أن يكون مطالباً بإستمرار بزيادة الدعم أصبح يطالب إسرائيل بأن لا تنسى في أي وقت أن أميركا تدعمها ب ٤ مليار دولار سنوياً؛ ويجب أن تبدي الامتنان لواشنطن مقابل ذلك..

وهذا الموقف الأميركي الترامبي الذي سمعه نتنياهو في البيت الأبيض يرون فيه في إسرائيل أنه نصف الجملة الأميركية الترامبية وأن نصفها الثاني لم يقلها ترامب بعد.. وهذا يشكل مصدراً للقلق؛ لأنه ببساطة لا يمكن التيقن من أن ترامب لن يقول لإسرائيل لاحقاً النصف الثاني من جملته قريباً ومفادها: كفى؛ أو “لماذا نستمر بالدعم”؛ أو أن يقول ترامب – وهذا الأرجح – أن إسرائيل تظلم الولايات المتحدة الأميركية منذ سبعين عاماً؛ فهي تسرق الأموال من المكلف الأميركي ولا تقدم شيئاً بالمقابل للولايات المتحدة الأميركية..

مصدر القلق الإسرائيلي هو توقع تل أبيب بأن ترامب قد يقول النصف الثاني من جملته في أي يوم: نريد تصحيح ميزان الأخذ والعطاء بين الولايات المتحدة الأميركية وبين إسرائيل.

ولو بصمت ولكن على نحو واضح لمن يريد مراقبته؛ يبرز الآن اتجاه تفكير في إسرائيل يخطط للتأسيس لواقع مادي ملموس تصبح فيه إسرائيل مفيدة اقتصادياً للاقتصاد الأميركي؛ بمعنى عدم الاكتفاء بأطروحة أن إسرائيل قاعدة متقدمة لأميركا في الشرق الأوسط؛ وعدم الاكتفاء بالعلاقة الايديولوجية بين الصهيونية اليهودية والصهيونية الإنجلية في أميركا؛ فهذه الأنواع من العلاقة قد تصبح غير ذات كبير قيمة في الولايات المتحدة الترامبية الباحثة عن مرابح اقتصادية في علاقاتها مع الحليف قبل الخصم..

الاستنتاج الأساس في هذا المجال هو أن اسرائيل وكدولة وكمشروع وليس نتنياهو كشخص وكزعيم؛ هي التي تعرضت للصدمة الاستراتيجية جراء طريقة تعامل وكلام رئيس الولايات المتحدة الأميركية مع رئيس حكومة إسرائيل وليس مع نتنياهو!!..

ناصر شرارة