بقلم قاسم يوسف
«أساس ميديا»
أطلّ رجل الأعمال السوري – البريطاني أيمن الأصفري في حلقة موسّعة وشاملة عبر تلفزيون “سوريا اليوم”، وقد تركّز النقاش على استعراض المرحلة الماضية، ومواكبة مستفيضة للتطوّرات الراهنة، واستشراف مستقبل سوريا على كلّ المستويات، لا سيما السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد بدا لافتاً أنّ الأصفري قدّم ما يشبه دفتر شروط دوليّاً للحكم الجديد في سوريا، باعتباره ممرّاً إلزاميّاً لخروج البلاد من أزماتها الراهنة. فما هي هذه الشروط؟ وما هي الرسالة من إطلالته بعد طول غياب؟ وما علاقة كلّ ذلك بدولة قطر؟
عقب اجتماعه بالرئيس السوري أحمد الشرع، سرت شائعات تتحدّث عن أنّ أيمن الأصفري سيكون رئيساً للحكومة الجديدة في سوريا، وأنّه جاء إلى البلاد بمشروع اقتصادي متكامل على سجيّة المشروع الذي حمله الرئيس رفيق الحريري إلى لبنان في تسعينيات القرن الماضي، لكنّ الأمور لم تكن على هذا النحو، وقد بدا بعد إطلالته الإعلامية الأخيرة أنّه يحمل دفتر شروط دوليّاً شديد الدقّة والوضوح، وقد أبلغه لمن يعنيهم الأمر، ثمّ قاله بشكل علنيّ ضمن المقابلة التلفزيونية بعد يومين من الإجراء الأميركي تجاه البعثة السورية في الأمم المتحدة، الذي اعتبرته الأوساط المتابعة رسالة سياسية للسلطة الجديدة في دمشق.
أكّد الأصفري أنّ ثمّة شوائب كثيرة لا بدّ من العمل على إزالتها بأسرع وقت ممكن، مشيراً إلى أنّه زار واشنطن في الآونة الأخيرة، وسمع هناك كلاماً واضحاً على صعوبة رفع العقوبات في ظلّ الوضع القائم، ما لم تعمد السلطة في سوريا إلى معالجة مجموعة من الملفّات الأساسية، وعلى رأسها تركيبة الجيش الجديد، بالإضافة إلى الحساسيّة المفرطة تجاه قضيّة المقاتلين الأجانب الموجودين في سوريا.
دفتر شروط
أسهب الأصفري في تفنيد الأخطاء، وفي الحديث عن رفع العقوبات الأميركية، وشروط العودة إلى الشرعية الدولية. وقد توزّعت على النحو الآتي:
- ضرورة إبعاد المقاتلين الأجانب وعناصر داعش والمطلوبين على لوائح الإرهاب الأميركية، الذين باتوا ضمن التشكيلة الجديدة للجيش والقوى الأمنيّة.
- العمل على إصلاح الأخطاء التي حصلت في إقصاء الأقليّات من الحكومة الجديدة، ومعالجة بعض الانطباعات الوازنة في أميركا، لا سيما لمن يعتبرون أنّ الحكومة الجديدة في دمشق كلّها من الجهاديين ولا إمكانية للتعاطي معها.
- إقامة دولة مدنية تعتمد مبدأ المواطنة، ومبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ الديمقراطية والتعدّدية السياسية.
- تعديل صلاحيّات رئيس الجمهورية، بحيث لا تكون مطلقة، ومن دون حسيب أو رقيب.
- إلغاء مسألة “الأمانة السياسية” داخل الوزارات الجديدة، لأنّها تضرب كلّ صلاحيّات الوزير، وتمنعه أن يكون سيّد وزارته، وتعيد استنساخ النظام القديم.
قال: “لا شكّ عندي على الإطلاق في أنّ الرئيس أحمد الشرع لديه مشروع وطني ويريد بناء وطن حقيقي، لكنّ لديّ الكثير من المآخذ على بعض التصرّفات والممارسات”، مؤكّداً أنّ “سوريا بلد ممزّق ومنكوب ومدمّر اقتصادياً، وأهمّ شيء الآن هي وحدة البلد، ولا يمكن لأيّ مواطن أن يشعر بالإقصاء من العملية السياسية، لا سيما الأقلّيات من الدروز والعلويين والمسيحيين والأكراد، وأنا لديّ خشية حقيقية من الفدراليّات أو التقسيم، ولا حلّ إلّا بإقامة دولة قائمة على القانون يكون كلّ الناس فيها مواطنين على حدّ سواء، لهم حقوق وعليهم واجبات”.
أشار الأصفري إلى خطأ تحديد الهويّة الدينية لرئيس البلاد، وحصره بالمسلمين فقط، وإلى اعتماد الشريعة والفقه الإسلامي مصدراً للتشريع، مؤكّداً أنّ هذه المفاهيم لن تُساهم في بناء سوريا التي يتطلّع إليها السوريون، لا سيما أنّ غنى سوريا هو في تنوّعها وتعدّدها، ومن غير المفيد على الإطلاق حصرها ضمن هويّات طائفية أو مذهبية.
دور سياسيّ مرتقب
كان الأصفري غائباً بشكل كامل عن أيّ إطلالات إعلامية منذ عام 2015. وهو بعيد تماماً عن إطلاق أيّ مواقف سياسية علنية، وقد اقتصر نشاطه طوال الفترة الماضية في الكواليس، حيث كان له دور سياسي وازن في ترتيب صفوف المعارضة، بالإضافة إلى أدوار اجتماعية داخل سوريا عبر مجموعة كبيرة من الجمعيّات ومؤسّسات المجتمع المدني، ولذلك اكتسبت إطلالاته أهميّة قصوى في هذا التوقيت بالذات، أي تزامناً مع إعادة بناء نظام جديد في سوريا، بالإضافة إلى الهويّة السياسية للقناة التي أطلّ عبرها، والتي من المعروف أنّها محسوبة بشكل كامل على قطر. وقد علم “أساس” أنّ التواصل معه تمّ على مستويات عالية للظهور عبرها.
في ما يشبه تقديم أوراق اعتماده للمساهمة في إدارة المرحلة المقبلة، قال الأصفري إنّه تحرّر من مسؤوليّاته الضاغطة في أعماله الخاصّة، وبات وقته يسمح بنشاط أكبر في سوريا، ثمّ أسهب في الحديث عن دوره خلال المرحلة الماضية، منذ عام 2006 حتّى اليوم، مؤكّداً حضوره الفعّال في سوريا، لا سيما لجهة المساعدة في تعليم مئات الطلّاب السوريين، إضافة إلى دوره السياسي مع المعارضة بعد انطلاق الثورة إلى جانب ميشال كيلو وبرهان غليون ورياض حجاب وغيرهم، علاوة على دعم المؤسّسات الفكرية والعديد من وسائل الإعلام ومنظّمة الخوذ البيض والجهات المعنيّة بدور المرأة والجهات الحقوقية التي تقدمت بدعاوى قضائية ضدّ النظام السابق في الخارج.
عرّج على علاقاته المتوتّرة مع بشّار الأسد ونظامه، وعلى علاقة والده المتوتّرة أيضاً مع نظام حافظ الأسد، وهذا ما اعتبره المراقبون محاولة مدروسة لتعزيز الشرعية الشخصية والشعبية قبل دخوله الرسمي لميدان العمل السياسي، لا سيما لجهة التركيز على قدرته على الوقوف بوجه النظام وهو في عزّ سطوته، حين قال: “التقيت بشار الأسد عام 2006 بعد العزلة الدولية التي فُرضت عليه عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد ذهبت حينها إلى دمشق بدعوة رسمية، والتقيته في قصر المهاجرين، ثمّ عرض عليّ أن أكون سفيره في لندن، لكنّ اللقاء ما لبث أن صار عاصفاً، وأنهيته قبل 20 دقيقة من وقته المفترض، وذلك بسبب سؤال توجّهت به إليه عن الإصلاحات السياسية وعن أسباب اعتقال ميشال كيلو، فما كان من الأسد إلّا أن شتم الأخير، وقال الشعب السوري لا يُحكم إلّا بالحذاء. ثمّ توجّه إليّ بالقول: أنا معجب بك وأعرفك، أنت رجل أعمال ناجح وتفهم بالاقتصاد، لكنّك لا تفهم في السياسة، وإذا كنت تريد أن نكمل الاجتماع، فعليك أن لا تتكلّم بالسياسة نهائياً. وهنا تماماً قرّرت إنهاء الاجتماع، وكان بشار ممتعضاً منّي للغاية”.
قاسم يوسف