إيمان شمص
«أساس ميديا»
متى وكيف سيردّ الحزب وإيران على اغتيال الزعيم العسكري للحزب فؤاد شكر في بيروت في 30 تموز، والزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز؟
كيف سيكون ردّ فعل إسرائيل على ما يرجّح أن يكون هجوماً منسّقاً من الحزب وإيران؟
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو: هل تدفع هذه الإجراءات الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية واسعة النطاق يخشى منها منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر )تشرين الأول( وبدء الحملة العسكرية الإسرائيلية الضخمة في غزة؟
أسئلة طرحها الدبلوماسي الأميركي والسفير السابق في لبنان (2004 – 2008) جيفري فيلتمان، وحاول الإجابة عليها في مقال نشره موقع “مؤسّسة بروكينغز”.
مع دخول لعبة التخمين حول الإجابات المحتملة عن الأسئلة الثلاثة أسبوعها الثاني، يقارن الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان،”دورة العنف التصاعدية بعد 7 أكتوبر بين إسرائيل والحزب، وبين حرب إسرائيل والحزب التي استمرّت 34 يوماً في عام 2006″، ويخلص إلى أنّ “مثال عام 2006، على الرغم من الدمار الواسع النطاق والتشريد الذي حصل حينها، ومقتل حوالي 1,200 لبناني و165 إسرائيلياً، غير كافٍ تماماً لوصف الخطر الحالي”.
اليوم الحزب أكثر قوّة وأقلّ تعرّضاً للّوم
هذه المقارنة نشرها موقع “مؤسسة بروكينغز” الأميركية “للأبحاث المتعمّقة وغير الحزبية الهادفة لتحسين السياسة والحوكمة على المستويات المحلّية والوطنية والعالمية”. وفقاً لفيلتمان “درس الإسرائيليون والحزب حرب 2006 وتعلّموا منها، مفترضين حتمية نشوب حرب أخرى، وضرورة الاستعداد لها. لكن على عكس ما حدث مع حماس قبل 7 أكتوبر، أدركت إسرائيل تمام الإدراك مدى فتك أسلحة الحزب وأساليبه، وركّزت لسنوات على تعطيل ومكافحة تدفّقات الأسلحة إليه من إيران عبر سوريا. كما أنّ الحزب أقوى عسكرياً وسياسياً ممّا كان عليه في عام 2006. فقد توسّعت شبكة أنفاقه وانتشرت ترساناته في جميع أنحاء لبنان، مع المزيد والمزيد من الأسلحة المتطوّرة التي يمكن أن تصل نيرانها ومدياتها إلى جميع أنحاء إسرائيل تقريباً. ومنذ عام 2012، وفّرت الحرب الأهلية في سوريا تدريباً ميدانياً لمقاتليه الذين أصبحوا الآن أشبه بجيش نظامي، نظراً لخبرتهم الكبيرة في المعارك”.
أمّا على الصعيد السياسي، يضيف فيلتمان، فقد غضب اللبنانيون في تموز 2006 من تسلّل الحزب غير المبرّر إلى إسرائيل واختطاف جنديين إسرائيليّين لأنّه أشعل فتيل حرب دمّرت آمال اللبنانيين في صيف سلميّ مليء بالسيّاح ومربح. وسواء كانت هذه محاولة صادقة أو محاولة لاسترضاء اللبنانيين بعد الحرب، فقد شعر الأمين العام للحزب بضرورة الاعتذار تحت شعار “لو كنتُ أعلم” الشهير. بينما الآن، وفي ضوء الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرّة منذ عشرة أشهر في غزة، والحرب المستمرّة بين إسرائيل والحزب، واغتيال قادة الحزب وإيران، قد لا يلقي حتى أولئك اللبنانيون الذين يأملون عدم اندلاع حرب شاملة باللوم على الحزب بقدر ما فعلوا في عام 2006 إذا اندلعت حرب أوسع اليوم.
المحور بات أكثر تماسكاً وتنسيقاً
يضاف إلى ذلك أنّ قبضة الحزب على الحياة السياسية اللبنانية أصبحت أشدّ إحكاماً من أيّ وقت مضى. وعلى النقيض من اليوم، لم يكن شهر تموز 2006 ليسمح للمدنيين بالانتظار لفترة طويلة قبل الانتقال إلى أماكن أخرى. ومع قصف مطار بيروت والحصار الجوّي والبحري منذ اليوم الأوّل للحرب، تمّ إجلاء نحو 15 ألف مواطن أميركي في واحدة من أكبر عمليات الإجلاء غير القتالية التي نفّذتها الحكومة الأميركية في التاريخ آنذاك. بينما أصرّت السفارات الأجنبية في بيروت هذا العام على مغادرة رعاياها لبنان بالوسائل التجارية ما دام من الممكن القيام بذلك.
الأمر الأكثر خطورة هو، كما يعتقد فيلتمان، أنّ “السياق الأوسع قد تغيّر منذ عام 2006. تبخّرت الظروف التي منعت تصعيد حرب عام 2006 بين إسرائيل والحزب إلى حرب إقليمية، مع ترسيخ “محور المقاومة” الإيراني. وفي حين أنّ تكتيكات حماس والحزب في عام 2006 ربّما كانت متشابهة، إلّا أنّهما لم يدّعيا السعي إلى تحقيق أجندات منسّقة. وحين فازت حماس في كانون الثاني 2006 بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في غزة وجرّت المنطقة إلى الحرب بعد اختطافها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 25 حزيران 2006، لم يكن ذلك مرتبطاً بعمليات الاختطاف التي أشعلت فتيل حرب تموز 2006 في لبنان. ولم يكن ردّ إسرائيل العسكري على عمليّتَي الاختطاف المنفصلتين بهذين العنف والقسوة اللذين استخدمتهما اليوم”.
… التضامن مع الفلسطينيّين لم يعد خطابيّاً
عمل فيلتمان خلال غزو العراق عام 2003 في مكتب سلطة الائتلاف المؤقّت في إربيل شمال العراق، حتى 2004. وكان أيضاً مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى منذ عام 2009 حتى تقاعده من وزارة الخارجية، برتبة وزير، في 2012. وهو يعتقد أنّ “العداء لإسرائيل على الرغم من التصريحات البغيضة الصادرة عن المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس في حينه، محمود أحمدي نجاد، كانت إيران تمارسه من خلال وكلاء لم يكن لديهم التطوّر والقدرة التدميرية والانتشار الجغرافي نفسها كما هو الحال اليوم:
1- فقد انخرط الحوثيون في اليمن في سلسلة صراعات عسكرية مع الحكومة اليمنية في عهد الرئيس علي عبد الله صالح الذي عرض في ربيع عام 2006 العفو عن بعض مقاتلي الحوثيين قبل استئناف المناوشات في العام التالي. ولم تهدّد أيّ علاقة بين إيران والحوثيين في عام 2006 سلاسل الشحن والتوريد العالمية، ولا هدّدت تل أبيب.
2- في العراق، كان عام 2006 دمويّاً، بشكل خاص بين الميليشيات الشيعية وتلك السنّية اللتين ركّزت كلتاهما في حينه على تبادل المذابح المحلّية، وليس على القيام بهجمات بالمسيّرات ضدّ إسرائيل.
3- في دمشق، كان بشار الأسد يضمّد جراحه بعد الطرد المهين لسوريا من لبنان في العام السابق، بعد تحميله مسؤولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الأمر الذي حدّ من شهيّة الأسد للمغامرات التي يمكن أن تزيد من الإضرار بهيبة سوريا.
في عام 2006، كان التضامن مع الفلسطينيين من كلا الجانبين خطابياً بشكل أساسي.. أمّا اليوم فقد يشارك أيّ أو كلّ من هذه المجموعات في تحويل الموقف الحالي إلى حرب شاملة. لأسباب خاصة، ربّما يأمل الحزب وإيران وإسرائيل ضبط أعمالهم العسكرية لتجنّب حرب واسعة النطاق. لكن من الصعب السيطرة على دورات التصاعد في مواقف مثل تلك التي تصدر اليوم عن الأطراف كلّها، حيث لا توجد سابقة، وحيث يتمّ التخلّي عن قواعد اللعبة غير المكتوبة سابقاً، مثل الضربات المحدودة جغرافيّاً وضرراً بين الحزب وإسرائيل التي تُسمّى “قواعد الاشتباك” حاليّاً.
يمكن أن تحدث حسابات خاطئة تسرّع من تصعيد وتيرة العنف. وربّما كانت غارة 27 تموز على مجدل شمس، في مرتفعات الجولان التي تحتلّها إسرائيل، تستهدف هدفاً عسكرياً، وليس ملعباً درزياً لكرة القدم قُتل فيه 12 طفلاً ومراهقاً.
.. وأميركا أصبحت أكثر استعداداً للدّفاع عن مصالحها
يعتبر فيلتمان في سياق المقارنة بين الوضع الحالي وحرب 2006، أنّ “الولايات المتحدة أصبحت اليوم أكثر استعداداً للدفاع عن مصالحها مقارنة بعام 2006. يومها فاجأت عملية اختطاف الحزب التي أثارت حرب عام 2006 الحكومة الأميركية. واستغرق الأمر أكثر من أسبوع قبل أن تصبح الأصول العسكرية متاحة للمساعدة في إجلاء وحماية الأفراد الأميركيين. أمّا بعد 7 أكتوبر، فقد نشرت الولايات المتحدة جيشها في نيسان، وجنّدت دبلوماسيّتها لبناء تحالف فعّال للمساعدة في الحدّ من تأثير هجمات إيران وحلفائها وشركائها ووكلائها ضدّ إسرائيل.
يخلص السفير المحنّك إلى الاستنتاج أنّه “بالمقارنة بعام 2006، فإنّ المنطقة اليوم بأكملها في منطقة خطيرة ومجهولة، ومن شأن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة أن يسهّل الدبلوماسية العاجلة من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وغيرها لتهدئة التوتّرات الحالية. لكن يبدو أنّ الساعة المؤدّية إلى الحرب والساعة المؤدّية إلى وقف إطلاق النار لا تدقّان على التوقيت نفسه”.
إيمان شمص