فريدمان لترامب: الشّرق الأوسط… جائزة نوبل أو قنبلة؟

بقلم إيمان شمص

«أساس ميديا»

“الشرق الأوسط على المحكّ وكلّ شيء ممكن. والآن، الجميع في انتظارك… بينما ستكون مكاسب النجاح هائلة، فإنّ عواقب الفشل ستكون جهنّمية للغاية. إنّها جائزة نوبل أو جائزة الخسارة التافهة”. بهذه العبارة بدأ توماس فريدمان المحلّل والكاتب السياسي في صحيفة “نيويورك تايمز” رسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم تنصيبه الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية.

 كتب فريدمان في رسالته: “عزيزي الرئيس ترامب،

لا مبالغة في القول إنّ لديك اليوم الفرصة لإعادة تشكيل هذه المنطقة بطرق يمكن أن تعزّز بشكل أساسي السلام والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين وجميع شعوب المنطقة، علاوة على مصالح الأمن القومي لأميركا. لكن بينما ستكون مكاسب النجاح هائلة، فإنّ عواقب الفشل ستكون جهنّمية للغاية.

مع ذلك، لا مفرّ من هذه المهمّة. إمّا أن يولد الشرق الأوسط من جديد ليكون منطقة قويّة تكون فيها العلاقات الطبيعية والتجارة والتعاون أهدافاً رئيسية محدّدة، أو أن يتفكّك إلى عدد من الدول القومية القويّة المحاطة بمناطق شاسعة من الفوضى، وحكم أمراء الحرب والإرهابيين الذين يتمتّعون بخبرة مخيفة في استخدام الطائرات بدون طيّار.

في كلّ جدول زمني للقطارات يوجد ما يسمّى القطار الأخير. وعندما يتعلّق الأمر بإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قبل أن تخنق المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أيّ إمكانية للتوصّل إلى اتّفاق على حلّ الدولتين، أو لإنهاء 50 عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية بينما لا يزال هناك بصيص من الأمل، أو لإعطاء سوريا فرصة لإعادة الاندماج بعد 14 عاماً من الصراع، أو لتحييد إيران قبل أن تحصل على قنبلة نووية… فإنّ هذا يبدو حقّاً وكأنّه القطار الأخير.

تناقض بين تطلّعات نتنياهو وترامب

في يوم الأحد، وللمرّة الأولى منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كن بالإمكان رؤية بصيص من الأمل بأنّ هذه الحرب قد تنتهي، حين احتضن الإسرائيليون أحبّاءهم المحتجزين كرهائن لأكثر من عام، وغادر سكّان غزة الملاجئ وعادوا إلى منازلهم، حيث لا يزالون صامدين. ونقلت صحيفة هآرتس عن أحمد مطر في مدينة غزة، أحد الفلسطينيين النازحين الكثيرين الذين عادوا حاملين أمتعتهم على عربات وحمير، قولاً يعبّر عن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين: “يريد الناس فقط أن يتوقّف هذا الجنون”.

لن يكون لأحد رأي في ذلك أكثر منك أيّها الرئيس ترامب.

أنا واثق من أنّك تدرك بعد محاولاتك الأخيرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتمثّلة بالضغط عليه لقبول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى اللذين وضعهما بايدن وعارضهما بيبي باستمرار، أنّ تطلّعاتك السياسية والدبلوماسية تتناقض جوهرياً مع تطلّعاته.

طموحاتك ومصالح أميركا هي في الواقع الفتيل الذي قد يفجّر حكومة “بيبي” وربّما ينهي مسيرته السياسية. كان جو بايدن المتقدّم في السنّ حلم نتنياهو، فهو يتفوّق عليه بالمراوغة، وأمّا أنت فكابوسه. والواقع أنّ العنوان الرئيسي لصحيفة هآرتس “نتنياهو يكذب على ترامب ويستعدّ لتخريب اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة” لم يأتِ من فراغ.

إنّ مصلحتك تتلخّص في إشراك إسرائيل والمملكة العربية السعودية في تحالف تقوده الولايات المتحدة مع شركائنا العرب الآخرين، وهذا يتطلّب من إسرائيل فتح محادثات حول حلّ الدولتين مع السلطة الفلسطينية. والواقع أنّ بقاء نتنياهو السياسي، الذي سيبقي ائتلافه في السلطة ويحول دون تشكيل أيّ لجنة تحقيق وطنية لتحديد المسؤول عن هجوم حماس في عهده، يعتمد على استئناف حرب غزة بعد وقف إطلاق النار هذا وعدم شروع نتنياهو أبداً في مفاوضات محدّدة زمنياً مع السلطة الفلسطينية بشأن حلّ الدولتين لشعبين.

لهذا السبب، ردّاً على هجوم حماس العنيف في عام 2023، شنّ نتنياهو حرباً لاستئصال حماس من غزة، لكنّ هذه الحرب كان لها هدفان متناقضان: الانتصار الكامل على حماس وإعادة الرهائن، ولم تكن هناك رؤية معلنة للسلام مع الفلسطينيين بعد نهايتها. ولكنّ الانتصار العسكري الكامل على حماس، حتى لو كان ممكناً، كان ليعني بالتأكيد مقتل معظم الرهائن إن لم يكن جميعهم.للأسف، أجبر المتعصّبون اليهود في حكومة نتنياهو، إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، نتنياهو على شنّ حرب لتدمير جزء كبير من غزة، حتى على حساب اتّهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، على أمل أن يؤدّي ذلك إلى التهجير الكامل للفلسطينيين وضمّ إسرائيل لجزء من غزة، بغضّ النظر عن مصير الرهائن.

سار نتنياهو معهما إلى أن أجبرته أنت على الاختيار. حماس منظّمة إسلامية فاشيّة كانت لعنة على الشعب الفلسطيني. ولكنّها بما هي حركة لا يمكن القضاء عليها إلا من قبل فلسطينيين آخرين أكثر اعتدالاً. لم يرغب نتنياهو أبداً بالمساعدة في بناء بديل لحماس في شكل سلطة فلسطينية محدّثة ومُصلَحة في الضفة الغربية. بل استمرّ في إرسال جيشه إلى غزة وخارجها، فأدّى إلى إشعال فتيل تمرّد دائم، تماماً كما فعلنا في العراق قبل أن ننتقل إلى استراتيجية فكّ الارتباط وبناء بديل لائق ومستدام.

وصفة لتمرّد دائم

هل رأيتم كم عدد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا أخيراً في غزة بعبوات ناسفة على الطراز العراقي مصنوعة من ذخائر إسرائيلية غير منفجرة؟ قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية في وداعه البليغ للدبلوماسية في الشرق الأوسط: “في كلّ مرّة تنهي فيها إسرائيل عمليّاتها العسكرية وتدفع حماس إلى الوراء، يعيد المسلّحون تجميع صفوفهم ويعاودون الظهور، لأنّه لا شيء آخر لملء الفراغ. نعتقد أنّ حماس جنّدت عدداً من المقاتلين الجدد يكاد يكون مساوياً لعدد من فقدتهم. وهذه وصفة لتمرّد دائم وحرب مستمرّة”.

يجب أن تضمن السياسة الأميركية تنفيذ جميع مراحل اتفاق وقف إطلاق النار هذا، وأن تتبعها عمليّة دبلوماسية حقيقية للتوصّل إلى تسوية أوسع نطاقاً. أوافق رأي الاستراتيجي الإسرائيلي غيدي غرينشتاين بأنّ السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها وتحديثها هي وحدها التي يمكن أن تحلّ محلّ حماس في غزة، لكنّها تحتاج إلى دعم قوّة دولية أو عربية تدعوها السلطة الفلسطينية إلى المساهمة في الأمن وإعادة الإعمار.

ثمّ يجب تقسيم غزة، مثل الضفة الغربية بموجب اتفاق أوسلو، إلى منطقتين “أ” و”ب” لفترة انتقالية مدّتها أربع سنوات. وتكون ثمانون في المئة من غزة تحت سيطرة القوّة الدولية/الفلسطينية، وعشرون في المئة (المحيط في الأساس) تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية إلى أن يتمّ ضمان أمن إسرائيل. وبعد فترة الانتقال التي تستمرّ أربع سنوات، يتّفق الجانبان على وضع دائم بالتوازي مع الضفة الغربية، حيث نأمل أن تكون السلطة الفلسطينية بحلول ذلك الوقت تحت قيادة مؤسّس غير قابل للفساد، مثل رئيس الوزراء السابق سلام فياض. من شأن هذه المقاربة أن تضمن الاتّفاق الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل وفلسطين.

لبنان المستقرّ والتّعدّديّ حجر أساس لإصلاح سوريا

في الوقت نفسه، لدينا في لبنان فرصة فريدة لإنهاء الحرب الأهلية هناك وإعادة توحيد البلاد. الرئيس الجديد جوزف عون ورئيس وزرائه الجديد نوّاف سلام وطنيّان لبنانيّان معتدلان ويحظيان باحترام كبير، ولهذا السبب نزل الكثير من اللبنانيين إلى الشوارع للاحتفال بتولّيهما منصبَيهما. إنّ أهمّ شيء يجب على الدبلوماسيين الأميركيين فعله، إلى جانب عرض المساعدات الاقتصادية على لبنان للتعافي والمساعدات العسكرية لتعزيز جيشه، هو رسم حدود متّفق عليها بين لبنان وإسرائيل تعترف بها الأمم المتحدة.

لماذا؟ لأنّ “الحزب” يبرّر احتفاظه بالسلاح بزعم أنّه ضروري لاستعادة أجزاء من جنوب لبنان تحتلّها إسرائيل. هذه الحجّة زائفة لأنّها تتعلّق ببضعة أمتار ونصف كيلومتر متنازع عليها على طول الحدود. يجب أن تحرم الولايات المتحدة وإسرائيل “الحزب” من هذا الأوكسجين المتمثّل في نزاع الحدود. ولكنّنا بحاجة أيضاً إلى أن نوضح للشيعة في لبنان أنّ أميركا تريدهم وستساعدهم في جعلهم مواطنين متساوين في الدولة اللبنانية، من دون أن يضطرّوا إلى الاعتماد على “الحزب” المسلّح.

الشرع زعيم وطني..

أنا مقتنع بأنّ نتنياهو يدرك ذلك، وأنّه بإضعاف “الحزب” وإيران بشكل كبير ساعد في تحريك إمكانية استعادة لبنان وسوريا لسيادتهما ووحدتهما. وأعتقد أنّه مستعدّ لإكمال انسحاب إسرائيل واستكمال ترسيم الحدود شريطة أن تنتج الحكومة اللبنانية القوّة العسكرية اللازمة لضمان عدم تمكّن “الحزب” من التمركز في جنوب لبنان مرّة أخر. (عليك يا سيدي الرئيس أن تحتفظ بآموس هوكستين، المفاوض الخاصّ لبايدن في لبنان، لتولّي هذه المهمّة. فهو يحظى باحترام واسع النطاق هناك، حتى من قِبَل “الحزب”).

إنّ لبنان المستقرّ والتعدّدي هو أفضل حجر أساس لإصلاح سوريا. في سوريا، نحتاج إلى تشكيل نوع من مجموعة اتّصال بين الولايات المتحدة وتركيا والأردن والعراق وإسرائيل للمساعدة في ترسيخ حكومة ائتلافية تحقّق التوازن بين الإسلاميين، الذين أطاح مقاتلوهم بنظام بشار الأسد القاتل، وبين الأغلبية السورية العلمانية المتعدّدة الطوائف.

هذا ليس سهلاً، لكنّ علينا المحاولة. وأعتقد أنّ الزعيم السوري الجديد بحكم الأمر الواقع، أحمد الشرع، لديه القدرة على أن يكون زعيماً وطنياً لائقاً وموحّداً للبلاد، لكنّ علينا أن نكون هناك بكلّ قوّتنا لتشجيعه وحثّه والضغط عليه للقيام بالأشياء الصحيحة، حتّى لو فشلنا. وأسوأ ما يمكن فعله في هذا الوقت الحاسم هو أن تغسل يديك من سوريا أو أن تسلّمها لتركيا.

القضاء على البرنامج النّوويّ الإيرانيّ

أخيراً، في ما يتعلّق بإيران، قدّمت إسرائيل للعالم خدمة عظيمة بتجريد هذا النظام الفاسد القمعي من الكثير من قدرته على فرض نفوذه في المنطقة، من خلال الدول الفاشلة والميليشيات التابعة له في لبنان وسوريا والعراق واليمن بينما يختبئ وراء برنامج طهران النووي.

يجب القضاء على هذا البرنامج النووي واستراتيجية إيران الإقليمية الخبيثة. آمل أن تتمكّن من القيام بذلك من خلال المفاوضات السلمية، وإلّا يجب أن يتمّ ذلك بالتهديد. وكلّما كان تهديدنا أكثر صدقية، زادت احتمالية حصولنا على الخيار الأوّل. حظّاً سعيداً، التاريخ يراقبك”.

إيمان شمص