إيمان شمص
«أساس ميديا»
أعرب الكاتب والمحلّل السياسي توماس فريدمان عن “أسفه لإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تعليق بعض مبيعات الأسلحة لإسرائيل” لأنّ هذه الخطوة “على الرغم من عدم فهمه الدافع لها” مكّنت، في رأيه، بنيامين نتنياهو من صرف الانتباه عن حقيقة أنّ أخطر زعيم يهدّد إسرائيل اليوم ليس بايدن بل نتنياهو الذي لم ولن تسفر سياساته عن نصر مستدام في غزة، ولا يمكنها حماية إسرائيل من أكبر تهديد وجودي لها، إيران، بل تعرّض يهود العالم للخطر وتقوّض الاحتياجات والأهداف الاستراتيجية الأوسع لأميركا في الشرق الأوسط.
إنّه أمر مخجل، وفقاً لفريدمان الذي يعتقد أنّه “حتى لو أعطى بايدن لإسرائيل الأسلحة التي أرادتها، وقامت إسرائيل بتسوية رفح بالأرض، فإنّ ذلك لن يغيّر من حقيقة أنّ إسرائيل ليس لديها شريك فلسطيني أو عربي ليحكم غزة في اليوم التالي بطريقة تضمن عدم قيام حماس جديدة من تحت الرماد… فالمتعصّبون اليهود في حكومته لن يسمحوا بتشكيل أيّ شراكة مع السلطة الفلسطينية خشية أن يؤدّي ذلك إلى قيام دولة فلسطينية هناك وفي غزة. وهذا يعني أنّه في اليوم التالي لأيّ انتصار محتمل على حماس، إمّا ستغادر إسرائيل غزة ويعيش على حدودها نوع من الصومال تحكمه العصابات مع عودة حماس بقيادة جديدة.. أو ستجد نفسها تحتلّ بشكل دائم كلّاً من غزة والضفة الغربية، وتتولّى المسؤولية فيهما بالفعل، فيسيطر حوالي سبعة ملايين يهودي إسرائيلي على حوالي خمسة ملايين عربي فلسطيني في منطقتين محتلّتين، وهو ما يشكّل عبئاً أخلاقياً واقتصادياً وعسكرياً يفرح إيران لأنّه سيعجّل بانحدار إسرائيل إلى دولة منبوذة عالمياً”.
خطر حكومة نتنياهو
يعتبر فريدمان أنّ “من الخطأ الفادح التقليل من الخطر الذي تشكّله حكومة نتنياهو الحالية على إسرائيل وعلاقتها بالولايات المتحدة والعالم… فبينما واصل مسؤولو بايدن الضغط على نتنياهو بشأن رفح، كان الجواب هو المعادل الجيوسياسي لـ “فقط اصمت ويراوغ”، أي استمرّ في إرسال الأسلحة إلينا واستخدام مصداقيّتك للدفاع عنّا على المسرح العالمي، خاصة في الأمم المتحدة. وسنفعل ما نريد وفقاً لاحتياجات نتنياهو السياسية. وإلى الجحيم احتياجات بايدن السياسية واحتياجات أميركا الجيوسياسية”.
يصرّ فريدمان على اعتقاده أنّ “بايدن أخطأ في التحدّث عن تعليق بعض الأسلحة إلى إسرائيل في حوار اعلامي غير رسمي”. فإذا كان على رئيس الولايات المتحدة أن يناقش علناً للمرّة الأولى مثل هذا الأمر الذي يشكّل أحد أخطر الانتهاكات للسياسة الخارجية الأميركية، فعليه أن يفعل ذلك من خلال خطاب مدروس جيّداً للأميركيين والإسرائيليين وأصدقاء إسرائيل وأعداء إسرائيل، يبدأ بتوضيح أنّه إذا كان التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل يتعرّض لضغوط اليوم، فذلك لأنّ:
– إسرائيل أصبحت شريكاً غير مستقرّ بشكل جذري في عهد نتنياهو الذي جعل الانقلاب القضائي الفاشل على رأس أولويّاته بدلاً من التعامل مع إيران أو الفلسطينيين، فأدّى ذلك إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي وصرف انتباه جيشه، وهو ما دفع حماس إلى الاعتقاد أنّ الوقت قد حان لشنّ هجوم.
– هذا الانحراف اليمينيّ المجنون في إسرائيل مع استراتيجية لا يمكن أن تنتصر في غزة، وحقيقة استخدام نتنياهو، كما كتب عاموس هاريل، أحد كبار المراسلين العسكريين، لصحيفة هآرتس، “الخدمة المدنية عمداً، وإضعافها، ونقل مراكز السلطة في مؤسّسات القضاء والخزانة والدفاع إلى مجموعة صغيرة من الأصدقاء غير الأكفّاء، لا تضرّ بمصالح إسرائيل فحسب، بل أيضاً بمصالح أميركا”، بحيث أصبح الشريك العسكري الأكثر تقدّماً وحيوية للولايات المتحدة في المنطقة غارقاً الآن في غزة، دون أيّ مخرج واضح، الأمر الذي يستنزف احتياطات الأسلحة الأميركية التي تحتاج إليها أوكرانيا أيضاً.
– حرباً لا نهاية لها في غزة يمكن أن تؤدّي أيضاً إلى زعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة الآخرين، وخاصة الأردن ومصر.
– الولايات المتحدة تحاول تشكيل تحالف أمنيّ جديد مع السعودية يسمح للسعوديين بالتركيز على أكثر ما يريدونه الآن، تنميتهم الاقتصادية، دون الخوف من هجوم من إيران. وللمساعدة في إقناع الكونغرس الأميركي بهذه الصفقة، يوافق السعوديون على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل شرط أن تشرع في سلوك طريق دولة فلسطينية مع سلطة فلسطينية تمّ إصلاحها في الضفة الغربية. نتنياهو يرفض هذا الشرط، والاتفاق برمّته قيد التشكيك الآن.
– التهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل يأتي من إيران وشبكة حلفائها، الحزب، والحوثيين، وحماس، والميليشيات الشيعية في العراق. وفي 13 نيسان، شكّلت الولايات المتحدة تحالفاً مع الدول العربية المعتدلة وبريطانيا وفرنسا في مواجهة هجوم إيران. وكلّما تعمّقت إسرائيل في غزة واستمرّت الوفيات بين المدنيين، سيصعب أكثر فأكثر بالنسبة للدول العربية المعتدلة، وخاصة الأردن، أن يُنظر إليها على أنّها تدافع عن إسرائيل ضدّ إيران.
يعتقد فريدمان أنّ “إسرائيل ستكون أفضل حالاً، والفلسطينيين سيكونون أفضل حالاً، والشرق الأوسط سيكون أفضل حالاً إذا هُزمت حماس تماماً. وإذا تطلّب الأمر دخول إسرائيل رفح للقيام بذلك، فليكن. فلقد دعت حماس إلى هذه الحرب. وسيشعر العديد والعديد من الفلسطينيين في غزة بالتحرّر بعد هزيمتها، وليس الإسرائيليون فقط”. لكنّه على قناعة بأنّ “هذا لن يحدث إلا إذا دخلت إسرائيل في شراكة مع الفلسطينيين من غير حماس لبناء غزة أفضل وخلق إمكانية بزوغ فجر جديد للفلسطينيين والإسرائيليين”. ويعتبر أنّ “لبايدن الحقّ في استخدام النفوذ الأميركي للإصرار على أن تتصرّف إسرائيل واضعةً هذا الهدف في الاعتبار لأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يفعل ذلك”.
إيمان شمص