بقلم فادي الأحمر
«اساس ميديا»
منذ بدأت الحرب الإسرائيليّة على الحزب تحرّكت الدبلوماسيّة الفرنسيّة. التقى إيمانويل ماكرون على هامش مشاركته في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدّة نظيره الأميركي وخرج الاقتراح الفرنسيّ – الأميركيّ لهدنة 21 يوماً تتخلّلها مفاوضات مكثّفة للعودة إلى تطبيق القرار 1701 ثمّ انتخاب رئيس جمهوريّة. بالتوازي دعت فرنسا مجلس الأمن الدوليّ إلى اجتماع طارئ لمناقشة التصعيد في لبنان. ثمّ قام وزير خارجيّتها جان نويل بارو بزيارة لبنان بعد يومين على اغتيال الأمين العامّ للحزب. أتبعها بجولة في المنطقة قادته إلى كلّ من المملكة العربيّة السعوديّة وقطر والأردن وإسرائيل والضفة الغربيّة… كلّها مبادرات شيمتُها العجز، ومصيرها الفشل.
في بداية الحرب على غزّة انجرفت فرنسا في التيار الداعم لإسرائيل والمنحاز لها بشكل مطلق. بعدها حاول رئيسها إيمانويل ماكرون تصويب موقف فرنسا من الحرب بالعودة إلى الموقف الفرنسيّ التاريخيّ من الصراع الاسرائيليّ – الفلسطينيّ (والإسرائيليّ – العربيّ حينذاك) الذي رسمه شارل ديغول في بداية ستّينيات القرن الماضي. فعاد للكلام عن حلّ الدولتين. وطالب بوقف النار ودعم المفاوضات من أجل التوصّل إلى هدنة وإطلاق الرهائن. وركّز على النواحي الإنسانيّة التي لا تقيم لها إسرائيل أيّ اعتبار. فانتقد سقوط المدنيين، وعدم إيصال المساعدات الإنسانيّة والطبّيّة، واستهداف الإعلاميين.
الخوف الفرنسيّ من الحرب الشّاملة
مع بداية الحرب على الحزب صعّدت باريس موقفها ضدّ تل أبيب. دعا إيمانويل ماكرون إلى وقف تزويد إسرائيل بالسلاح. لا شكّ أن تصريح الرئيس الفرنسيّ استهدف أوّلاً الإدارة الأميركيّة التي تتصرّف تجاه الحروب الإسرائيليّة منذ 7 أكتوبر بعكس ما تصرّح. وهذا ما ظهر بشكل فاضح بين الاقتراح الفرنسيّ – الأميركيّ لوقف النار في لبنان وإقرار مساعدات عسكريّة لإسرائيل بقيمة 8.7 مليارات دولار.
الردّ الإسرائيليّ على تصريح ماكرون جاء سريعاً على لسان نتنياهو بقوله: “يا للعار”. فازداد التوتّر بين الرجلين. أوقفت المكالمة الهاتفيّة الحرب الكلاميّة بين الرجلين، وكذلك بيان قصر الإليزيه الذي أكّد أنّ فرنسا “صديقة لإسرائيل لا تتزعزع”. لكنّ العلاقة بين البلدين تشهد توتّراً سيزداد بسبب الحرب في لبنان لعدّة أسباب:
- بالنسبة لفرنسا لبنان ليس غزّة. إضافة إلى العلاقات التاريخيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، يكتسب لبنان أهميّة خاصّة كآخر منطقة نفوذ لها في الشرق الأوسط. من هنا قام إيمانويل ماكرون بزيارتين للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ويسعى إلى ملء الشغور الرئاسيّ منذ ما قبل بدايته في تشرين الأوّل 2022.
- خوف فرنسا، كما الولايات المتحدّة الأميركيّة ودول غربيّة أخرى، أن تؤدّي الحرب الشاملة في لبنان إلى حرب شاملة في المنطقة بين إيران وإسرائيل. لكنّ خوف فرنسا يختلف عن الخشية الأميركيّة. فواشنطن تخشاها لعدم الانجرار لها. بينما فرنسا تخاف خطرها لأنّها ستدور على حدودها المتوسطيّة. كما سيضاعف ارتفاع أسعار الطاقة، إذا ما اندلعت حرب إقليميّة، الأزمة الاقتصاديّة في فرنسا وعموم دول أوروبا التي تعاني من ارتفاع أسعار الغاز بسبب الحرب في أوكرانيا.
- كما تخشى فرنسا أن تؤدّي الحرب الشاملة في لبنان والمنطقة إلى موجات هجرة غير شرعيّة نحو أوروبا في وقت تشكّل هذه الهجرة أزمة كبيرة للاتحاد الأوروبيّ. وفرنسا كانت قد صوّتت على قانون جديد للهجرة شكّل مادّة أساسيّة في الانتخابات النيابيّة الأخيرة.
العجز الفرنسيّ عن التّأثير
على الرغم من كلّ ذلك تبدو فرنسا عاجزة عن التأثير على مجريات الأحداث وعن إيقاف الحرب في لبنان وعن لجم اندلاعها في المنطقة. وهذا يعود لعدّة أسباب أبرزها:
- أصبح معروفاً أنّ فرنسا لم تعُد دولة عُظمى. فهي بالكاد دولة إقليميّة أوروبيّة. فهي لا تملك أوراق ضغط لا على إسرائيل ولا على إيران ولا على الحزب ولا على أيّ من الأطراف اللبنانيّة. حاولت إرضاء الجميع. وفشلت معها كلّها. وفشلت في كلّ مبادراتها الشرق الأوسطيّة، وتحديداً اللبنانيّة.
- انقسام الاتحاد الأوروبيّ وعجزه عن اتّخاذ موقف موحّد من حروب نتنياهو. فالمواقف الأوروبيّة تراوح بين موقف إسبانيا التي اعترفت بدولة فلسطين وموقف ألمانيا التي أعلن مستشارها بالأمس تزويد إسرائيل بالأسلحة.
- ضغط اليهود الفرنسيين. فهؤلاء، كما في العديد من الدول الغربيّة، يشكّلون أقليّة (في فرنسا عددهم حوالي 450 ألفاً)، لكنّهم يملكون أوراق ضغط على الحكّام، خاصّة في المال والإعلام.
- تعنّت نتنياهو وعدم إصغائه لحلفائه وضربه عرض الحائط بمصالحهم. وهنا فرنسا ليست وحدها في هذا العجز. حتى الإدارة الأميركيّة، التي تنسّق مع حكومة الحرب الإسرائيليّة حول هذه الضربة، تبدو عاجزة عن إقناع نتنياهو بعدم استهداف مواقع إيرانيّة تستجلب ردّاً إيرانياً عنيفاً، فتنزلق الأمور نحو مواجهة شاملة تُجبر واشنطن على الانخراط في حرب لا تريدها، خاصّة أنّها في خضمّ انتخابات رئاسيّة حامية الوطيس.
- إفشال الحزب منذ سنة كلّ المحاولات الفرنسيّة لتطبيق القرار 1701 برفضه الفصل بين حرب غزّة وحرب الإسناد. أمّا قبوله بوقف النار الذي كشف عنه وزير الخارجيّة عبدالله بوحبيب أخيراً فقد جاء متأخّراً، وكذلك تفويض الشيخ نعيم قاسم “الأخ الأكبر”.
مؤتمر لدعم لبنان
في 24 الجاري ستعقد باريس مؤتمراً من أجل لبنان سيكون على المستوى الوزاريّ. وسيُناقش ثلاثة مواضيع أساسيّة:
- المساعدات الإنسانيّة.
- تطبيق القرار 1701.
- الدفع باتّجاه انتخاب رئيس للجمهوريّة.
سينجح المؤتمر في البند الأوّل. سيقرّ المؤتمر حزمة مساعدات إنسانيّة للّبنانيين الذين هم بحاجة ماسّة إلى المساعدات منذ ما قبل الحرب. لكن من غير المتوقّع أن ينجح في فرض تطبيق القرار 1701. الحرب الإسرائيليّة على الحزب تخطّت القرار. الجيش الإسرائيليّ يستهدف اليوم قوّات اليونيفيل ليجبرها على الانسحاب. ونتنياهو يطلب تطبيق القرار 1559. أمّا في ما يتعلّق بانتخاب رئيس للجمهوريّة فلا يزال أسير مواقف الأطراف اللبنانيّة التي يبدو أنّها لا تعي خطورة ما هو قادم على البلاد من دمار وقتل وتشريد واحتلال وربّما تغيير في الجغرافيا والديمغرافيا. ستكون له تداعيات كبيرة على الكيان والدستور والتركيبة اللبنانيّة.
فادي الأحمر