د. محيي الدين الشحيمي
«أساس ميديا»
أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر كثيراً في الاتخراط بالتفاصيل السورية. وها هي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، تلعب دور الوسيط في الملف الكردي لمنع تدهور الأوضاع الأمنية، إضافة للقاءات متعددة، مع مجموعة من فعّاليات المجتمع المدني وممثّلين عن الحكومة الانتقالية.
مصادر فرنسية أشارت لـ”أساس” إلى أنّ “البعثة الفرنسية لا تشكل اعترافاً بالنظام الحالي، حيث يبقى هذا الموضوع معلقاً بانتظار السلوك السياسي للحكومة المؤقتة، لجهة الزامية حفظ الأمن، وضمان تغيير طريقة الحكم، بما يتوافق مع المزاج السوري المستقلّ التوافقي، إلى جانب ضمان حقوق كلّ المواطنين السوريين، خاصة الأقلّيات”.
وتضيف المصادر أنّ “البعثة الفرنسية تقنية أكثر من كونها سياسية، على الرغم من أنّها دبلوماسية. ففرنسا مهتمة بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، مع أولويّات الأمن الجماعي. لهذا سارعت إلى إقامة اتّصالات عاجلة مع السلطات الجديدة، بحذر شديد ورغبة متأنّية. لكن لا يوجد تغيير في السياسات الراهنة المتّبعة”.
تختم المصادر الفرنسية: “يتمّ التحضير حالياً لمؤتمر في شهر كانون الثاني 2025 خاص بسوريا تستضيفه باريس من أجل تنسيق الدعم الجماعي والمشروط للعملية الانتقالية في سوريا، كما جاء في اجتماع العقبة الأخير”.
فرنسا تضيّق على إيران في لبنان
تظهر التطورات أنّه لدى الإدارة الفرنسية، على الرغم من كلّ الإيجابيات، بعض المخاوف، لكن ليس من السلطة الانتقالية الحالية. بل أبعد منها وتتعلّق بمستقبل سوريا. لذلك تصرّ على مقاربة فرنسية وطنية وأوروبية اتّحادية تكون جماعية وشاملة لمضمون آليّات التعاطي. وتشكّلت عند فرنسا رزمة من الرؤى المستقبلية حول:
– دعم وحدة سوريا السياسية، وسيادتها على كامل أراضيها.
– تخوّف من الاعتداءات الإسرائيلية والنوايا التركية.
– كيفية تجنيب سوريا الصراعات المذهبية الدينية والطائفية الإثنية.
– ضرورة عدم تكرار نماذج أفغانستان وليبيا والعراق.
– التضييق على روسيا وطرد إيران.
تعمل الإدارة الفرنسية على مضايقة روسيا وضرب إيران، وطردهما من سوريا. ضايقت إيران فرنسا كثيراً، خصوصاً في لبنان، على الرغم من كلّ عمليّات ربط النزاع والتفاهمات والحفاظ على المصالح. حمّلتها مسؤولية ضرب الاستقرار في لبنان والشرق الأوسط. فشكّلت المشهدية السورية المباغتة الفرصة السانحة لطرد النفوذ الإيراني نهائياً من سوريا، والتضييق عليه في لبنان.
فرنسا تنتقم من روسيا… بسبب أفريقيا
أزعجت روسيا فرنسا كثيراً. دخلت ملاذها ومنطقتها المحظورة في إفريقيا، وعملت على الانتشار منذ فترة في منطقة الساحل الإفريقي وتشاد. تحاول روسيا في ليبيا بناء قواعد عسكرية بديلة على المتوسّط تعوّض عن قواعدها في اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري، وتوفّر لها وجوداً دائماً على المياه الدافئة في المتوسّط.
في المقابل تتطلّع الإدارة الفرنسية إلى الانتقام من روسيا، عبر خروجها التاريخي والمذلّ من سوريا. لكنّها تتحسّب أيضاً من انتقال حرارة المواجهات إلى أوروبا من أوكرانيا، وأن لا تكون ليبيا أرض الصراع الجديدة بين الناتو وروسيا.
تطبيق القرارات الدّوليّة المتعلّقة بسوريا
تعمد فرنسا إلى دفع انتقال سوري سياسي شامل. يشكّل القرار الدولي 2254 المدخل. وتعتبر قمّة العقبة التي التزمت بها، إطاراً مهمّاً ومؤسّساً. تتنبّه بالتوازي إلى قطع كلّ الأفكار التي تساعد في تحويل القادة العسكريين إلى أمراء حرب. وتشجّع في هذا السياق على ضرورة الحفاظ على مؤسّسات الدولة.
تتلخّص المطالب الفرنسية بالخيارات الأوروبية الاتحادية التي تتمثّل في الانتقال السياسي السلس والسلمي، وحماية كل السوريين مهما كانت معتقداتهم وآراؤهم. تضاف إليها وجوبية احترام حقوق الإنسان وحماية حقوق الأقلّيات. تبقى الأوّلوية مصداقية حماية حقوق المرأة، ومكافحة التنظيمات الإرهابية. تؤلّف كلّ هذه الإشكاليات بعد معالجتها، باب الانتقال نحو الخطوات الإجرائية، والمحادثات المتعلّقة بالعقوبات. فهنالك فارق كبير بالنسبة لباريس، بين الزيارات الدبلوماسية واللقاءات، وبين رفع العقوبات التي تخضع لمسوّدات سياسية وقانونية مقيّدة، محدّدة المعايير القانونية الفرنسية والأوروبية المرعيّة التدابير.
متى تُرفع العقوبات عن سوريا؟
ترتبط حيويّة السياسة الخارجية الفرنسية الحاليّة، بطبيعة الحوكمة الجديدة في سوريا ما بعد الأسد. ترصد قدرة هيئة تحرير الشام على تثبيت السكينة المؤسّساتية السورية، ومنحها نوعاً من الأمان في ممارسة الحرّية والتعبير. في حين تعتمد الهيئة على اكتساب الثقة، لنزع صفة الإرهاب عنها وإزالة العقوبات عن سوريا. وبدأت البوادر الإيجابية تلوح عبر رفع أميركا المكافأة عن رأس الجولاني – أحمد الشرع.
تعلم الإدارة الفرنسية تمام المعرفة أنّ مسألة رفع العقوبات وإزالة الصفات الإرهابية، مفيدة. إذ تشجّع السوريين المنتشرين في العالم، وخاصة في أوروبا، على العودة إلى سوريا بطريقة أسرع. يرفع ذلك، مع الدعم الأممي، ثقة السوريين بالسلطات الملتزمة والحالة الإدارية الجديدة.
يدلّ أيضاً على نوع من الرقابة والتعاون الدولي مع هذا النفوذ الجديد، في مرحلته الانتقالية، لجهة التزامه المعايير، وتحقيق أقصى سبل الحرّية والعدالة والمساواة. لكنّه أمر معقّد مع تمازج العقوبات الوطنية الفرنسية مع الدولية والأوروبية الاتحادية. طرحت كلّها للنقاش على البارد. في حين ترك أمر بتّها رهن تطوّرات الظروف.
محيي الدين الشحيمي