كتبت ريتا شمعون
لا شكّ ان الإقتصاد اللبناني أصبح مرتبطا إرتباطا وثيقا بالملفات السياسية والأمنية العالقة بالتالي، لا يمكن القيام بأي إصلاح إقتصادي دون المرور بالتعافي السياسي وانتخاب رئيس جمهورية يؤمن بالشفافية المطلقة ويطبقها، ولديه برنامج وأولويات لإخراج لبنان من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية تختلف عن البرامج السابقة تبدأ بإلغاء كل القوانين المضرّة التي تعرقل النهوض بالإقتصاد اللبناني.
لكن للأسف، لن يكن الفراغ الرئاسي حدثاً ذا قيمة في مذكرات اللبنانيين للعام 2024، غيابه عن إحتفال الإستقلال الرسمي كان أخف ثقلا عن غياب الإستقلال ذاته عن هذه المناسبة، برأي الخبير في المخاطر المصرفية والباحث في الشؤون الإقتصادية والنقدية الدكتور محمد فحيلي.
ويشرح فحيلي ، في حديث لجريدة “الشرق” قائلاً: إن لبنان يدخل عام 2025 مُثقلاً بتحديات اقتصادية ونقدية غير مسبوقة، تقف على تقاطع أزمات سياسية واقتصادية طويلة الأمد، إلى جانب تداعيات إقليمية مستجدة. ورغم أن عام 2024 شهد استقراراً نسبياً في سعر صرف الدولار وميزان المدفوعات، إلا أن هذا الاستقرار الهش لا يعكس تعافياً حقيقياً.
بدلاً من ذلك، ما زالت البلاد بحاجة إلى إصلاحات جذرية وسياسات مُحكمة تعيد الانتظام إلى قطاعها المالي والنقدي وتُحسن بيئتها الاستثمارية. الضغوط على المصارف: إعادة الهيكلة أم مواجهة المودعين؟ يسأل فحيلي.
وأضاف: مع بداية العام 2025، من المتوقع أن تعود الضغوط على المصارف من قبل المودعين، الذين ما زالت أموالهم مُحتجزة منذ بدء الأزمة المصرفية في العام 2019 . لافتا الى ان المصارف اللبنانية تقف أمام مفترق طرق حاسم: بين ضرورة إعادة هيكلة شاملة وتصفية المصارف العاجزة عن مواكبة المتغيرات الاقتصادية، في هذا السياق، يبقى الدور الأساسي لمصرف لبنان، الذي عليه الانتقال من سياسات السحوبات الاستثنائية إلى إقرار استراتيجيات نقدية تعيد بناء الثقة بالقطاع المصرفي، بما يشمل ضخ رؤوس أموال جديدة وفتح المجال أمام دخول استثمارات مصرفية أجنبية.
أما بالنسبة الى التحديات النقدية ، هل يعود سعر الصرف إلى واجهة الأزمة؟
يقول فحيلي، يتوقع العديد من المحللين أن يشهد سعر صرف الدولار في العام 2025 تقلبات ملحوظة، بين سيناريوهات تتراوح من انخفاضه إلى 60 ألف ليرة وصولاً إلى ارتفاعات جديدة تُهدد الاستقرار النقدي. لكن وفقا لمقاربته ، تدخل عوامل عدة في هذه المعادلة، منها تدفق الأموال الأجنبية لإعادة الإعمار عقب الحرب الإسرائيلية، ودور مصرف لبنان في إدارة هذا التدفق لضمان استقرار الأسواق دون المساس بالعملة المحلية. وفي ظل احتمال فائض السيولة بالدولار، ستزداد أهمية تعزيز دور الليرة اللبنانية في السوق المحلية تدريجياً، بما يدعم الإنتاجية ويقلل الاعتماد على العملات الأجنبية. وهنا يرى فرصة للإصلاح نحو استعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني، مضيفا: أن لبنان يقف أمام فرصة نادرة لتحسين أوضاعه الاقتصادية والنقدية، تبدأ مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة التالية :
أولى هذه الخطوات تتمثل في: إصلاح النظام الضريبي: تعزيز الشفافية والعدالة الاجتماعية من خلال ضرائب تصاعدية تُخفف العبء على الفئات الأكثر ضعفاً وتقلص الامتيازات الضريبية غير المبررة. إعادة هيكلة القطاع العام: تقليل النفقات العامة وتحسين كفاءة الخدمات الأساسية، مع التركيز على الصحة والتعليم والطاقة. بالإضافة الى توجيه الاستثمارات: إطلاق مشاريع إنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة المتجددة، بما يعزز فرص العمل المستدامة ويقلل الاعتماد على الاستيراد.
ولعلّ أهم التحديات التي تنتظر لبنان في العام 2025، هو تحدّي إعادة الإعمار ، ومصير إعادة الإعماروالتمويل لإعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية ، خاصة في ظل وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF). هذا التصنيف يعيق إمكانية الحصول على تمويل تقليدي من المؤسسات الدولية. ومع ذلك، قد يكون الحل عبر الشراكات مع المنظمات غير الحكومية والاعتماد على دعم مغتربي لبنان، بالإضافة إلى تحسين شروط التفاوض مع الدائنين لإعادة هيكلة الدين العام وتخفيف أعبائه على الاقتصاد المحلي.
ويعتبر فحيلي، أن نجاح لبنان في تجاوز هذه التحديات يعتمد على توفر الإرادة السياسية داخلياً، وتعاون فعّال مع الشركاء الدوليين. لا بد من أن تلعب الحكومة الجديدة دوراً قيادياً في تنفيذ خطة إنقاذ وطنية تشمل: – تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص.
– التفاوض مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ مرن وشامل.
– كسب ثقة المانحين من خلال تبني إصلاحات ملموسة وشفافة.
فحيلي يأمل الخروج من الأزمة، خصوصا أن لبنان على موعد مع استحقاقات مفصلية خلال عام 2025. ورغم كل الصعوبات، يبقى الأمل معقوداً على استثمار الفرصة لإجراء إصلاحات جريئة، تعيد البلاد إلى مسارها الطبيعي كمركز اقتصادي متنوع ومستقر. ولتحقيق ذلك ، يتطلب قيادة سياسية رشيدة، تحمل رؤية اقتصادية استراتيجية، والتزاماً حقيقياً من جميع الأطراف المعنية داخل لبنان وخارجه.