كتبت ريتا شمعون
خمس سنوات مضت على الإنهيار المالي في لبنان، دون أن يتحرك مجلس النواب لإنقاذ سمعة لبنان بالمحاسبة ، على العكس جاؤوا بالحكومة الحالية التي لم تنفذ اي إصلاح ولم تحاسب أحد، والنتيجة لبنان ” على اللائحة الرمادية”.ولا يخجلون .
وكما كان متوقعا، أعلنت مجموعة العمل المالي إدراج لبنان على اللائحة الرمادية نتيجة الضغوط التي مارستها بعض الدول الغربية بالإضافة الى إسرائيل التي كانت تريد حرق المراحل والذهاب بلبنان الى ” اللائحة السوداء ” مباشرة ، والحجة هي عدم اتباع الحكومة إجراءات مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
وعليه، يتوجب على الدولة اللبنانية التي تخضع لمراقبة مشددة العمل مع مجموعة العمل المالي “FATF” لمعالجة أوجه الضعف الاستراتيجية في أنظمتها الخاصة بمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل إنتشار التسلح.
الى ذلك، اعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي خطوة كانت متوقعة بالنظر الى الظروف المعروفة التي اعاقت إقرار التشريعات والإصلاحات المالية المطلوبة، رغم ذلك احرز لبنان تقدما في العديد من الإجراءات الموصى بها، مؤكدا ان علاقات لبنان مع المصارف المراسلة لن تتأثر نتيجة هذا التصنيف.
أما ما هي التداعيات الفعلية لهذا القرار؟
يجيب عن هذا السؤال، خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في حديث لجريدة” الشرق” ويقول، انه في ضوء القرار الأخير لمجموعة العمل المالي ” FATF” بتصنيف لبنان على القائمة الرمادية ، يمكن إعتبار هذا القرار إيجابيا وفي مصلحة لبنان، إذا التزم بتنفيذ خطط الإصلاح المطلوبة، رغم التحديات الأمنية والإقتصادية الراهنة.
ويرى فحيلي، أن هذا القرار يوفر خارطة طريق لتحسين إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في لبنان ، مما يعزز الشفافية والمصداقية المالية.
ويؤكد في هذا السياق، أن إلتزام لبنان بتنفيذ هذه الإصلاحات يمكن ان يحسن التعاون مع الشركاء الدوليين ، ويعزز ثقة المستثمرين في السوق اللبناني ، كما يمكن لهذا التوجه أن يحسن من قدرة لبنان على مواجهة المخاطر المالية الإجرامية، الأمر الذي يسهم في تعزيز استقراره الإقتصادي على المدى البعيد.
ورغم ان هذا القرار قد يشكل تحدّيا مؤقتا ، إلا أن مسار الإصلاح المالي والمؤسساتي خصوصا في ظل الأزمة الحالية، يحمل فرصا لرفع كفاءة لبنان وحمايته من التداعيات الإقتصادية والأمنية الناتجة عن التهديدات المالية.
ويقول فحيلي ، ان القلق الزائد من إدراج لبنان على اللائحة السوداء أو الرمادية لمجموعة العمل المالي ( FATF) مبالغ فيه بعض الشيء،وسط الحرب المتواصلة بين إسرائيل وحزب الله، مشيرا الى أن الإجتماع الذي انعقد برئاسة المكسيك بين 23 و25 الجاري في باريس، لم يتطرق الأعضاء خلاله الى الموضوع اللبناني فقط ، فلبنان عبارة عن قضية غالبا ما تفتح ومن ثم تغلق بالنظر الى مدى الأدلة المتوافرة ، ولا ننسى ان مجموعة العمل المالي لديها علاقات قوية مع المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالإضافة الى الدول الأعضاء، التي تتابع الملف اللبناني عن كثب، وأفردت له حيزا في تقاريرها مضيفا: إنها إستكملت مهامها اليوم على مستوى الخبراء لتقييم الإجراءات المتبعة على مستوى الدول وعلى المستوى الدولي في موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويرى فحيلي، أن دخول لبنان الى ” القائمة الرمادية” ليس بهذه الخطورة ، فالمصارف اللبنانية خصوصا الكبرى منها قد حافظت على علاقات جيدة مع المصارف المراسلة،وامتلكت مرونة التعامل مع الحدث، ولا زالت مستمرة بتمويل التجارة الدولية لجهة الإستيراد والتصدير.
ولفت الى ان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، نجح في تثبيت علاقات لبنان مع المصارف المراسلة الستة، التي ستبقي على تعاملها مع لبنان ، وقام بواجباته نتيجة إلتزام المركزي والمصارف بالمعايير الدولية التي تتماشى مع المعاييرالتي تضعها “FATF” والمؤسسات العالمية الدولية باعتماد الإجراءات المشددة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قائلاً: لا أتوقع أي تاثير سلبي على العلاقة مع المصارف.
مما لا شك فيه، يؤكد فحيلي ،أن القرار الرسمي بوضع لبنان على اللائحة الرمادية سيكون له تداعيات لكنها غير مدمرة كما يصوّر، إنما سترتفع كلفة تقديم خدمات مصرفية عبر المصارف المراسلة وتشدد لجهة إجراءات التحويل، والأهم من ذلك، مطمئنا فحيلي، ان لبنان لن ينقطع عن العالم الخارجي.
وللتذكير، أوضح، أن مجموعة العمل المالي، ووفق ما جاء في تقرير لها صنّفت لبنان على انه ملتزم بالمعايير في عدة فئات، مشيرا الى ان المعايير الستة من أصل 40 التي صنّف على اساسها لبنان بأنه متعاون جزئيا لجهة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ، اعطى لبنان علامة جيدة جدا ( 85-100) وأظهر ان هناك إرتياحا مقبولا لجهة أداء المصارف التجارية مع المصارف المراسلة لجهة المخاطر الإئتمانية ومخاطر غسل الأموال.
في هذا الإطار،يشارك فحيلي، مجموعة العمل المالي، بإلقاء اللوم على السلطة السياسية في لبنان، حيث أخفقت في إنجاز الإصلاحات واتخاذ الإجراءات الجدّية لجهة تطبيق القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وتبييض الأموال، ويدعو الدولة الى إقرار قوانين جديدة ليبقى لبنان مندمجا في النظام المالي العالمي.