كتبت ريتا شمعون
إن أي دولة في العالم تمرّ بأزمة سواء كانت مالية، إقتصادية، سياسية أو اجتماعية، تعتمد عادة على دعم القطاع المصرفي لاستعادة توازنها، إلا أن الوضع في لبنان مختلف، حيث ان النظام المصرفي جزء من الأزمة، حيث شكل العام 2019 نقطة تحوّل في مسار القطاع المصرفي.
فبعدما كان القطاع المصرفي يتغنى بدوره الأساسي في تحريك عجلة الإقتصاد عبر تامين القروض على مختلف أنواعها لتمويل الإستثمارات في مختلف القطاعات يستقيل من دوره منذ بدء الأزمة لتعود بعض المصارف اليوم لتسوق لعودتها للإقراض قريبا.
وتعتبر دعوة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري للمصارف بإعادة التسليف ضرورة اقتصادية، تعني عمليا عودة المصارف الى ممارسة دورها الطبيعي، وقد حان الوقت لهذه العودة للحدّ من اقتصاد ” الكاش” الذي يتم عن طريق الدفع النقدي، دون الإعتماد على الخدمات المصرفية، ومن تنامي شركات تحويل الأموال في لبنان التي بدأت تأخذ تدريجيا دور المصارف في لبنان.
لكن عودة التسليف المصرفي خلق الكثير من التساؤلات حول هذه العودة ومصير الودائع.
-هل من المنطق عودة التسليف في ظل أزمة الودائع؟
– كيف ستتم عمليات التسليف؟
– وهل تعني عودة التسليف المصرفي عودة الثقة بالقطاع المصرفي؟
-وهل عودة التسليف يعني عودة الخدمات المصرفية التي سلبتها اياها شركات تحويل الأموال.
جريدة ” الشرق” طرحت هذه الأسئلة على كبير الإقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، الذي أكد ان دعوة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري مرحب بها، مشيرا الى ان المصارف ليست بحاجة الى التحفيز والتشجيع من أحد لإعادة التسليف مذكرا بأن المصارف في لبنان هي الممول الأكبر للأفراد والمؤسسات وتلعب دورا كبيرا في عملية النهوض الإقتصادي.
ويقول غبريل، تعرضت المصارف لخسائر ظهرت جليا مع بداية الأزمة في العام 2019 ،أحد مصادر هذه الخسارة هي أن الكثير من المؤسسات والشركات التي اقترضت من المصارف بالدولار الأميركي سددت قروضها بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1507 ليرة أو عبر شيكات مصرفية بالدولار قيمتها الفعلية أقل بكثير من قيمة القرض، وتبين الأرقام أن ثمة هبوطا ب 34 مليار و300 مليون دولار اميركي أي بتراجع 83,5% في التسليفات المصرفية للقطاع الخاص بالعملات الأجنبية منذ بداية سنة 2019 وحتى نهاية شهر أيار من العام الجاري، كما أظهرت تراجعا بقيمة 17 تريليون و200 مليار ليرة لبنانية أي هبوطا بنسبة 62,5% في التسليفات المصرفية بالليرة اللبنانية منذ بداية سنة 2019.
في موازاة ذلك، لفت غبريل ، أن ودائع القطاع الخاص بالعملات الأجنبية لدى المصارف تراجعت حوالى 33 مليار دولار أميركي منذ أوائل العام 2019 وحتى نهاية أيار من العام الجاري، أي تراجعت بنسبة 27% كما تراجعت ودائع القطاع الخاص بالليرة اللبنانية حوالى 21 تريليون ليرة أي بتراجع 27% في الفترة نفسها.
وكذلك تراجع حجم السيولة بالعملات الأجنبية لدى المصارف المراسلة في الخارج بنسبة 64% أي هبوطا بنسبة 7 مليارات و600 مليون دولار أميركي منذ بداية العام 2019، كل هذه الأرقام تدعو الى الحذر، مشددا على ان المصارف هي الجهة الأولى التي يهمها معاودة التسليف من جديد للقطاع الخاص، لأن مصدر ايراداتها وهذه مهمتها بتمويل الإقتصاد اللبناني.
وعن الإجراءات التي تساعد المصارف على معاودة التسليف، يؤكد غبريل، على أمرين أساسيين أولا: تامين السيولة الكافية التي تخولها التسليف مجددا ، بالعملات الأجنبية وبالليرة اللبنانية.
وثانيا: المصارف بحاجة الى ضمانات بأن يسدد المقترض القرض بنفس العملة التي يقترض بها وفق قانون يؤكد على المقترض على انه عندما يقترض بالدولار الفريش أن يرد القرض بالدولار الفريش وليس بالليرة اللبنانية أو عبر الشيكات كي لا نعيد تجربة السنوات الماضية ، لأنه ما حصل من سداد على سعر 1500 ليرة أضرّ بالمصارف بالتالي بالمودعين، وهذا ما سمّاه صندوق النقد الدولي في تقريره عن لبنان الذي صدر في حزيران 2023 ” اعادة توزيع الثروة من المودع والمصرف الى المقترض” معتبرا أن هذا الأمر أفاد المقترض وأضرّ بالمودع والمصارف.
في هذا الإطار يتابع غبريل، إذا نظرنا اليوم الى حجم السيولة النقدية بالعملات الأجنبية في المصارف اللبنانية لا يتعدى الملياري و700 مليون دولار أميركي، وهذا غير كاف لاعادة التسليف، مشيرا الى ان الأزمة المالية هي في الحقيقة أزمة ثقة تحولت الى أزمة شح بالسيولة، فمن أجل تحقيق ذلك، المطلوب تأمين سيولة كافية ليعاود القطاع المصرفي عمله بشكل طبيعي عبر تسليف الإقتصاد اللبناني.
أما مصير الودائع لا علاقة له بالتسليف المصرفي، يقول غبريل، موضحا ان التسليف المصرفي منفصل عن موضوع الودائع، فإذا قمنا بإعادة القطاع المصرفي الى العمل الطبيعي بتامين السيولة الكافية حينها نساعد على ايجاد حل عادل ومقنع للمودع ، ويرى أن المقاربة يجب أن تكون مختلفة “عمليا يعيد مصرف لبنان من الودائع ما يوازي 10 الى 12 بالمئة من أصل 90 مليار ودائع بالعملات الأجنبية ليتمكن المودع التصرف بوديعته من دون سحبها بالكامل مضيفا: أن تأمين الدولة 90 مليار دولار كسيولة فورا أمر غير واقعي، مؤكدا أن على السلطة التنفيذية والتشريعية بالتعاون مع المصارف التجارية أن يتفقوا على تكوين سيولة في القطاع المصرفي كي تتمكن المصارف من أن تستعيد دورها.
وفي الحديث عن شركات تحويل الأموال، يؤكد غبريل، لا يمكن القول إن شركات التحويل باتت تحلّ مكان المصارف رغم الخدمات المستحدثة في ادارة الإحتياجات المالية للأفراد والشركات فضلا عن تدعيمها بالإعلانات ، وقد عززّت حضورها الأزمة المالية والركود في القطاع المصرفي، وينحصر عملها في نقل وتحويل الأموال فهي لا يمكنها التسليف لأن ذلك عمل المصارف مؤكدا أن مصدر التسليف لعشرات الأعوام كانت المصارف التجارية ، ويجب أن لا ننسى بأن حجم التسليفات للقطاع الخاص بلغ نحو 58 مليار دولارسائلاً: هل يمكن لشركات تحويل الأموال القيام بذلك؟ بالتأكيد لا تستطيع.
ويرى غبريل، في موضوع طلب الشركات توطين رواتب موظفيها بالمصارف ” أن هذا الأمر يدل على أن المجتمع الإقتصادي لا يمكنه السير من دون وجود قطاع مصرفي يقدم له الخدمات.
لا يأخذ غبريل، ما صدر في مجلة ” فوربس” التي صنّفت العملة الوطنية الأسواء دوليا على محمل الجدّ، لافتا الى ان انهيار الليرة بدأ في أواخر العام 2022 وتسارع في العام 2023 ووصل سعر صرف الدولار الى 140 ألف ليرة موضحا ، أن تدخلات مصرف لبنان وامتصاص الكتلة النقدية بالليرة الموجودة في السوق نجحت في إنقاذ الليرة ليعود سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي الى 89 ألف ليرة ولا يزال مستقرا منذ ذاك الحين، رغم الصدمات الأمنية التي مرّ بها لبنان من حادثة الكحالة مرورا بالأحداث الأمنية في مخيم عين الحلوة وصولا الى حرب غزة واستمرار الإعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان مع استمرار الشغور الرئاسي ودخوله الشهر 21 واستمرار حكومة في مرحلة تصريف الأعمال منذ منتصف أيار من العام 2022، تلك عوامل لم تؤثر على سعر الصرف مقللاً من تصنيف ” فوربس” لليرة اللبنانية، وختم قائلاً: ما يهمنا التصنيف الإئتماني للبنان من كبرى الوكالات العالمية مثل ” فيتش” و تصنيفات ” موديز” و “ستاندر أند بورز” وغيرها.