بقلم د. ابراهيم العرب
بعد غياب دبلوماسي سعودي رفيع المستوى عن لبنان دام 15 عاماً، جاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، أطال الله في عمره، إلى بيروت لتشكّل نقطة تحوّل في العلاقات الثنائية، وتعيد لبنان إلى دائرة الاهتمام السعودي، ولكن هذه المرة بشروط واضحة تتعلق بالإصلاح والاستقرار.
زيارة تاريخية تحمل دلالات سياسية واقتصادية
حظي الوزير السعودي باستقبال رسمي من نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب، وسفير السعودية لدى لبنان د. وليد بخاري، حفظه الله، والتقى الرئيس اللبناني الجديد جوزاف عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الوزراء المكلّف نوّاف سلام، وتداولوا بالشؤون المحلية والإقليمية والدولية؛ حيث تأتي هذه اللقاءات في ظلّ مشهد لبناني متغيّر، كون البلاد تعاني من أزمة مالية خانقة منذ عام 2019، فيما تحتاج إلى دعم دولي وإقليمي لإعادة الإعمار بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية اللبنانية بعد الحرب مع إسرائيل.
لذلك، فإن زيارة الأمير فيصل ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل تعكس تحوّلاً في موقف المملكة من لبنان، بعد تراجع نفوذ إيران في البلاد نتيجة الضغوط الدولية والتطورات الإقليمية، لا سيما بعد سقوط النظام السوري الحليف لطهران.
الموقف السعودي: دعم مشروط بالإصلاحات
في كلمته خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أشار الأمير فيصل بن فرحان إلى أن انتخاب رئيس لبناني بعد فراغ استمر لأكثر من عامين يمثل خطوة إيجابية، لكنه شدّد على ضرورة رؤية “إصلاح حقيقي والتزام بمستقبل لبنان، وليس العودة إلى أخطاء الماضي”، معتبراً أن تشكيل حكومة جديدة سيكون اختباراً حقيقياً لجدية التغيير في البلاد.
وهذا التصريح يعكس استراتيجية جديدة للمملكة في التعاطي مع الملفّ اللبناني، حيث لم تعد الرياض مستعدة لتقديم دعم مالي غير مشروط كما كان الحال سابقاً، حفاظاً على المصلحة العامة اللبنانية، بل ستربط أي مساعدة مستقبلية بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يحتاجها لبنان بشدّة.
الدور السعودي في لبنان: من المساعدات إلى الشراكة المشروطة
لطالما لعبت السعودية دوراً مهماً في دعم الاقتصاد اللبناني، حيث ضخّت مليارات الدولارات في البنك المركزي، وساهمت في إعادة إعمار الجنوب بعد حرب 2006 بين لبنان وإسرائيل. إلّا أن هذا الدعم تراجع خلال السنوات الماضية مع تصاعد النفوذ الإيراني عبر حزب الله، مما دفع الرياض إلى إعادة النظر في سياستها تجاه كل لبنان.
أما اليوم، فيبدو أن لبنان عاد إلى قائمة الأولويات السعودية، خاصة في ظلّ انخراط المملكة في الملف السوري بعد تشكيل الحكومة الجديدة هناك. ومع ذلك، فإن الرياض لن تقدم مساعدات دون ضمانات حقيقية بأن الحكومة اللبنانية القادمة ستكون إصلاحية، وقادرة على إدارة الدعم المالي بطريقة شفّافة ومسؤولة.
آفاق المرحلة المقبلة
إن التطورات الأخيرة، بما في ذلك تشكيل الحكومة المرتقبة، أدّت إلى تحسّن طفيف في السندات اللبنانية الدولية، ما يعكس تفاؤلاً حذراً بإمكانية تحسن الوضع الاقتصادي. ومع ذلك، فإن لبنان لا يزال يواجه تحدّيات كبيرة، بدءاً من إصلاح النظام المالي، ووصولاً إلى إعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية، ومن هنا الحاجة للدور السعودي التمويلي.
ونحن متفائلون بالتحسّن لأن رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام أكّد التزامه بتشكيل حكومة تلبي تطلعات الشعب اللبناني، وإن كانت العادة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية قد تطيل أمد المفاوضات، مما قد يؤثر على سرعة حصول لبنان على الدعم الإقليمي والدولي.
ختاماً، تُشكل زيارة وزير الخارجية السعودي إلى بيروت فرصة ذهبية للبنان لاستعادة علاقاته الطبيعية مع المملكة العربية السعودية، لكنها أيضاً اختبار لمدى قدرة القادة اللبنانيين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة؛ فهل ستنجح الحكومة المقبلة في كسب ثقة الرياض والمجتمع الدولي، أم أن لبنان سيبقى عالقاً في دوامة أزماته المعتادة؟
بقلم د. ابراهيم العرب