كتبت ريتا شمعون
مع دخول الهدنة بين «حزب الله وإسرائيل» حيز التنفيذ رغم اقتصارها على 60 يوما، ينتهي عام من المواجهات عبر الحدود وشهران من الحرب العدوانية التي أدّت الى سقوط ما يقارب 4000 شهيدا وإصابة حوالى 16 ألف جريح سطر فيها اللبنانيون أبهى صور الصمود، ويتنفس الإقتصاد اللبناني الصعداء، مع استمرار قوافل العائدين الى قراهم في الجنوب والبقاع والى الضاحية الجنوبية لبيروت، ويعاود مجلس النواب عمله .
الإستقرار الأمني هو الأساس وتطبيق القرار 1701، لكن ما هو المطلوب كي يتعافى الإقتصاد اللبناني الذي تكبد خسائر كبيرة جدا بسبب الحرب؟ وما هو المشهد الإقتصادي في اليوم التالي؟
قبل الإجابة الإقتصادية إختصرالباحث السياسي والإقتصادي الدكتور بلال علامة، المشهد السياسي قائلاً:إن الكلام الذي صدر عن الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي بعد إتفاق وقف إطلاق النار،أعلنا فيه الحاجة لصون سيادة لبنان وحفظ أمنه ومؤسساته وضرورة تثبيت دوره ووحدته الوطنية ،وهذا جيد، لكن من المستغرب هو ان كلا منهما لم يتطرق في حديثه الى اي موضوع يتعلق باعادة الإعمار.
في مقاربة المشهد الإقتصادي، يؤكد علامة، في حديث لجريدة « الشرق» أن لبنان يعاني اليوم من إنكماش إقتصادي كبير،فإذا لم تقم الدولة بتحرك فوري وعملية إنقاذ ضرورية تساعد على تحفيز النمو، سنشهد مرحلة جديدة من الإنكماش الحادّ مع نهاية العام نتيجة الركود ، مما سيؤدي هذا الإنكماش الى تقلص الناتج المحلي الإجمالي من 22 مليار في عام 2023 الى نحو 13 مليار دولار وهو إنخفاض كبير، وعامل تنازلي شديد ربما يؤثر على مالية الدولة ، ويرى أنه لا يمكن لهذه الدولة بمفردها الإستجابة لهذه الأزمة وحدها دون مساعدة المجتمع الدولي التي تشكل أولوية في الظرف الراهن.
أما بالنسبة الى القدرة على التعافي السريع بعد إنتهاء الحرب، يقول علامة، أن الأمر يتوقف في رأيه على إعادة فتح الطرقات بأسرع وقت، وأعمال رفع ركام المباني في المناطق المدمرة وكذلك إزالة الركام من الطرقات التي دمرتها الغارات الإسرائيلية، ومن ثم إعادة النازحين الى قراهم ومدنهم، ومساعدة الشركات والمؤسسات التي تكبدت خسائر كبيرة منها تضرر بشكل مباشر ومنها من تضرر بشكل غير مباشر نتيجة تراجع مبيعاتها بسبب وضع الحرب،وأيضا على مدى قدرة البلد على جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة كمصدر اساس لتمويل الإستثمارات في القطاعات كافة، لكنه لا يخفي، بأن المجال الإستثماري والتحويلات المالية الى لبنان قد تخضع لرقابة أمنية شديدة تحت إشراف لجنة الرقابة التي اشير اليها في نص إتفاق وقف إطلاق النار برئاسة أميركا.
ويتابع علامة، أن لبنان لا يمكن أن يبدأ رحلة التعافي من أزمته الحالية، إلاّ بالإنتقال من إقتصاد «الكاش» والسوق السوداء الى الإقتصاد الشرعي وهي المهمة الأساسية التي ينبغي على الدولة معالجتها.
وأشار الى أن خسائر الحرب واستنادا الى الدراسة التي أجراها مركز الإرشاد والتطوير المهني، تقدر بنحو 15 مليار دولار أميركي، موزعة على الشكل التالي:
قطاع الإسكان هو الأكثر تضررا في لبنان، حيث دمرت نحو 100 الف وحدة سكنية بالكامل، و200 الف وحدة سكنية تضررت بشكل كبير جدا، بينما 50 الف وحدة سكنية تعرضت لأضرار جزئية ، وأكثر من 37 قرية دمرت بأحيائها بالكامل بواسطة عمليات التفجير التي ارتكبها العدو الإسرائيلي.
وقدّرت الدراسة خسائر القطاع السياحي بنحو 3 مليار دولار، ومليار دولار خسائر القطاع الزراعي، وتغطي الدراسة خسائر القطاع الصناعي بنحو 2,5 مليار دولار، مشيرا الى ان كل هذه الأرقام تقريبية بانتظار إجراء مسح أو إحصاء ليتم تقدير الأضرار، متوقعا ان تكون الأضرار أكبر بكثير في حال إجراء مسوحات ميدانية حقيقية.
ورأى علامة ، أن لبنان لا يستطيع تخطي هذه المرحلة الصعبة، دون وجود جسرمن المساعدات نقدي-مالي-إقتصادي لدعم القطاعات الإنتاجية وتامين البنى التحتية لها، خصوصا ان القطاعات الإقتصادية في لبنان قد خسرت القاعدة الأساسية لعملها من بنى تحتية وغيرها من النشاطات الإنتاجية للنهوض مجددا، معتبرا أن هذا الدور ملقى على عاتق الدولة في حقلي التشريع والتنظيم مع إدراكنا ان الحرب ساهمت في إضعاف القدرة المؤسساتية للدولة والقطاع العام.
ومن التحديات التي ستواجه الدولة وفقا لعلامة قضية «النزوح» والعبرة الذي استوقفته من دعوة الرئيس برّي لأهلنا النازحين قائلاً: «عودوا الى مناطقكم وأرضكم ،حتى لو كانت الإقامة عليها فوق الركام»، إذ يبدو قلقا من تداعيات العودة السريعة وتكاليفها الباهظة بسبب إنعدام الإستقرار، والصعوبة في تامين الإحتياجات الأساسية، متخوفا من أن يصاب العائدون بخيبة أمل من القيادات الذين وعدوهم «بالمنّ والسلوى» مضيفا: من الأفضل تقليل عدد الوعود التي تعطيها تلك القيادات لا سيما المتعلقة منها بعملية الدعم المتكاملة لإعادة الإعمار، لافتا الى أنه تبقى تحصين الساحة الداخلية بالدرجة الأولى في ظل مخاوف تبدو مشروعة من وجود رهانات لدى هذا الطرف أو ذاك على تغيير موازين القوى، ونشر الفوضى.
وتحدث علامة، عن تحديات بالجملة، فرضها إتفاق وقف إطلاق النار على الطاولة في ضوء المتغيرات التي فرضتها الحرب بتبعاتها التي لا تزال غير واضحة المعالم، وما قد يترتب علينا من اولويات المرحلة المقبلة على مستوى إنتخاب رئيس للجمهورية، الذي لا جدال في كونه يشكل المدخل الرئيسي للتعافي الإقتصادي ، مؤكدا ان لبنان بحاجة الى رئيس يحوز على ثقة اللبنانيين قادر ان ينقلنا الى مستقبل أكثر إشراقا، وأن يخلق مناخا إيجابيا لجذب الإستثمارات، وقادر على إطلاق العمل الديمقراطي في لبنان بعيدا عن سلوكيات التدمير، رئيس يشرف على تشكيل حكومة أقطاب ، يشارك فيها كل من أوصل البلد الى هذاالدرك، ليتحملوا المسؤولية في إعادة إعمار البلد وتطبيق بنود الإتفاق الذي فرض على لبنان وإشراك المغتربين اللبنانيين المنتشرين في كل العالم في إعادة الإعمار مع التشديد على مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص.