عشية جلسات منح الثقة، إعادة بناء الدولة أولوية نهوض لبنان

بقلم مصباح العلي

إنطلاقاً من مفصلية المرحلة الراهنة لمستقبل لبنان وإعادة تركيب النظام السياسي، حجز أكثر من نصف نواب الأمة الدور لإلقاء كلمات في جلسات منح الثقة لحكومة تحمل أهمية استثنائية.

غالباً، يطبع الملل جلسات منح الثقة طالما أن ما يكتب لمصير مطلق حكومة يتم ترجمته تحت قبة البرلمان، ليس الأمر سوى استعراض نيابي منقول على الهواء، سينتهي حكماً لمنح الحكومة ثقة ونسيان ما جاء في البيان الوزاري لاحقاً.

لكن في ضوء المتغيرات العميقة التي طرأت على المشهد السياسي، ثمة أولوية ضرورية تتمثل ببناء دولة قوية وقادرة لمواكبة إعادة نهوض لبنان، الحكومة الحالية تحمل أوزار أعوام من الانهيار والفراغ والحروب والنزاعات في لبنان والمحيط الواقع الراهن يفرض خطة طوارئ شاملة وورشة متكاملة تنطلق من ملء الشواغر في المؤسسات والإدارات العامة، ولا تنتهي في التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة من البلدية والاختيارية حتى الانتخابات النيابية المصيرية في نيسان 2026.

عيون العالم مفتوحة وتترقب كل ما يجري في لبنان، ليس حباً وغراماً بالوطن الصغير، بل لارتباط الوضع اللبناني بالواقع المستجد في المحيط، فبعد أيام سيشارك رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون في القمة العربية في القاهرة للبحث في سبل حل القضية الفلسطينية، وهذا الامر ليس ببسيط في ظل تأثر لبنان بما يجري في حدوده الجنوبية أو الشرقية، فإسرائيل أعلنت بأنها ترفض الانسحاب من عدة نقاط عسكرية في الجنوب، فيما ترددات الزلزال السوري تضرب عميقاً في لبنان وأبرزها إعادة النازحين السوريين.

لعلّ موقف رئيس الجمهورية أكثر وضوحاً أمام الوفد الايراني الرفيع، من أن لبنان أنهكته الحروب ولا بد من تأييد المبادرة العربية المطروحة لحل الدولتين والعمل على تسوية سلمية شاملة في المنطقة، وهذا ليس بالأمر السهل، طالما كونه إعلان غير مباشر لانتقاء شعار «وحدة الساحات» وأفول محور إقليمي بعد سقوط سوريا وتموضع العراق، كما مسار المفاوضات الإيرانية لناحية المشروع النووي أو رفع العقوبات الاقتصادية أو أقلها الإفراج عن حسابات إيران في الغرب.

من جهته، أعطى تشييع السيّد حسن نصرالله مؤشرات واضحة لناحية خوض غمار العمل السياسي، حيث أن الطوفان البشري في المدينة الرياضية هو توطئة ترسيخ قوة حزب الله السياسية والشعبية، وتغيير بعض المعطيات الى التعويض عن الانكسار العسكري الى انتصار سياسي في المستقبل، هذا البعد الاستراتيجي سيؤدي الى معادلات مغايرة لما جرى التخطيط له لناحية شطب حزب الله ونزع نفوذه بالكامل، وبالتالي القضاء عليه وفق سيناريو مشابه لمصير نظام بشار الأسد.

الخلاصة، لبنان مقبل على هوية سياسية قوامها الانخراط في عملية إعادة إعمار النظام وفق أسس جديدة، وهي عملية ستشهد الكثير من المعارك الديموقراطية في الحكومة والمجلس النيابي كما في الشارع، ما يعني حكماً إعادة تركيب الأولويات أمام الحكومة الحالية كونها تؤسس لحقبة مختلفة وفق كل المعايير.

مصباح العلي