بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
لماذا انتخب اللبنانيون والعرب والمسلمون والأقليّات دونالد ترامب بكثرة، خلافاً لتاريخ كبير من الميل الدائم للديمقراطيين، فكيف بشخصية مثل ترامب تعلن عداءها لـ”المهاجرين” ولهذه الأقليّات؟
حال الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأميركية كمن صعقته موجة كهربائية، خصوصاً بعدما نجح الرئيس دونالد ترامب في “اكتساح” الحزب الديمقراطي في سبع ولايات متأرجحة. المشهد هنا في الولايات المتحدة كان يوحي بمعركة طاحنة بدت واضحة في أولى ساعات الفرز، قبل أن يتحوّل المشهد إلى كابوس تسهل رؤيته في عيون أنصار الديمقراطيين. وفي كواليسهم تسمعهم يتحدّثون عن أخطاء جسيمة في الماكينة الانتخابية، قبل أن يعودوا إلى أصل المشكلة التي تمثّلت بالسجال حول بقاء جو بايدن مرشّحاً أو إزاحته، ثمّ اختيار نائبته كامالا لتولّي المهمّة الصعبة، التي فشلت.
لكن خلف الشاشات الكبرى التي من خلالها جرت متابعة الانتخابات الأولى في العالم، كان في الكواليس نبض يمثّل مؤشّراً، لكنّ الديمقراطيين رفضوا أن يصدّقوا.
الأضداد اصطفّت مع ترامب
في جولة قمنا بها في بعض الولايات “المتأرجحة” انتخابياً، كما سمّيت قبل الانتخابات، كنّا نسمع كلاماً واضحاً عن دعم دونالد ترامب من شخصيّات لم نكن نتوقّع منها ذلك.
تقول نانسي جعفر، ابنة بلدة يارون التي تُقصف اليوم، ودمّرتها إسرائيل كلّياً تقريباً، إنّها “مسلمة محافظة أقرب إلى مبادئ الجمهوريين، وأقرب إلى السلام الذي يتحدّث عنه ترامب في الشرق الأوسط، لأنّه لو كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لما حصل 7 أكتوبر ولما حصلت الحرب الإسرائيلية على غزّة ولبنان”.
في الواقع ليس هذا رأياً فرديّاً تسمعه من سيّدة لبنانية. بل هو رأي تحوّل إلى قناعة لدى الكثيرين من الشريحة المستقلّة المتأرجحة التي تنافس عليها الحزبان الأميركيان في أوساط العرب والمسلمين.
معاقبة بايدن ومرشّحته
ناصر حمود هو أيضاً لبناني الأصل جاء إلى الولايات المتحدة منذ خمسين عاماً: “قرّرت أن أعاقب إدارة بايدن لأنّها لم تلتفت لمطالبنا بوقف إطلاق النار ولم تمنع نتنياهو من ارتكاب المجازر في غزة ولبنان. وعلى الحزب الديمقراطي أن يعرف أنّنا نحن الديمقراطيين نستطيع أن نمنع فوزهم في ولايتنا. وذلك لكي يكون لنا حساب في المستقبل سياسي وليس فقط انتخابي.”
إذاً هو “ديمقراطي” انتخب ترامب “عقاباً”. وعلى هذا الأساس ذهبت نسبة عالية من الديمقراطيين إلى انتخاب “لا أحد” عقاباً لحزبهم، مدركين أنّ ذلك قد يؤدّي إلى تعزيز حظوظ ترامب، لكن غير آبهين بالنتائج.
كما أنّ هناك عرباً ولبنانيين صوّتوا لترامب ليس عقاباً، ولا انتقاماً، بل قناعة تامّة منهم بأنّ الرجل قادر على محاكاة هواجسهم، لدرجة أنّهم تخطّوا كلّ مواقفه من المهاجرين، وكلّ مشاريعه بالترحيل، لمصلحة شخصية تستطيع أن تخاطبهم بصراحة ومن دون مواربة كما يقولون. وذلك حرصاً على مصالحهم الاقتصادية الداخلية في البلاد. ومن أسبابهم أيضاً اتّهامهم إدارة بايدن بهدر أموالهم من الضرائب في تمويل حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
بين الأمس واليوم: الديمقراطيّ يعاني أزمة حقيقيّة
في معاينة مراكز الفرز أو ما يسمّى بمراكز نشر وتحليل النتائج حيث يتجمّع مناصرو كلّ حزب، تحضيراً لكي يترقّبوا نتيجة التصويت، كانت لافتةً التحليلات التي ركّزت على مقارنة نتيجة هذه الانتخابات بسابقاتها.
ما بدا لافتاً فيها أنّ الولايات “المتأرجحة” عادة، التي تخوض معركة حقيقية، بالإضافة إلى ولايات ذات طابع ديمقراطي في الإجمال، خسر فيها على مرّ السنوات الديمقراطيون نسب تأييد حزبهم التاريخية. وبدا ذلك واضحاً في مقارنة النسب بين هذه الدورة لعام 2024، والانتخابات السابقة، بحيث غطّى اللون الأحمر مساحات كبيرة على الخريطة الأميركية الموضوعة على الشاشات الكبرى، مقابل اللون الأزرق الذي تقلّص على مرّ السنوات الماضية.
الأقلّيّات انتخبت ترامب أيضاً
في مشاهدات الجماهير الحزبية لهذه المعطيات التي جرى تقديمها مساء الثلاثاء أثناء وصول نتائج التصويت تباعاً، كانت واضحة علامات الأزمة التي يعاني منها الحزب الديمقراطي في ردّه على “خطاب” ترامب، الأكثر جاذبية والذي يحاكي مشاعر الأميركيين وأهواءهم. وقد نشرت قناة CNN إحصاءات تحدّثت عن نسب انتخاب مرتفعة من جانب “الأقليّات” ذهبت إلى ترامب، في حين كان متوقّعاً أن تدعم هذه الأصوات منافسته كامالا هاريس.
كثيرة هي التناقضات والسجالات التي تسمعها عن الحسنات والسيّئات لكلّ من الحزبين. إلا أنّ ما يحمله ترامب في توجّهه للفرد من محافظة على “القيم المجتمعية” وعلى مستوى الحياة الاقتصادية للعائلة، جعل منه أقرب من الفئات التي كنّا نعتقد أنّها ستكون الأولى في التصويت ضدّه.
جوزفين ديب