عرائض احتجاج في الجيش الإسرائيلي… تهدد الحكومة

أحمد الصادق – رام الله

«أساس ميديا»

بات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتعامل مع معارضيه انطلاقاً من “فوبيا” تتملّكه من خسارة منصبه وتفكيك ائتلافه الحكومي، وتحوّلت تهمة “إسقاط الحكومة” إلى لازمة على لسانه لوصف أيّ أصوات معارضة، كمئات الضبّاط والأطبّاء العسكريين والأكاديميين الموقّعين على عرائض تطالب بضرورة الإفراج عن الأسرى في غزة، ولو كان الثمن وقف الحرب.

نُشرت يوم الخميس 10 نيسان الجاري عريضة موقّعة من مئات الطيّارين الإسرائيليين المتقاعدين، إلى جانب عدد من عناصر الاحتياط في سلاح الجوّ، تدعو الحكومة إلى إبرام صفقة فورية لإعادة جميع الأسرى من قطاع غزة، حتى لو تطلّب ذلك وقفاً فوريّاً للحرب، قائلين إنّ “الحرب الحالية تخدم مصالح سياسية وشخصية وليست أمنيّة”.

لفتت الصحف الإسرائيلية إلى أنّ وزير الأمن وقادة سلاح الجوّ حاولوا منع نشر العريضة وثني الطيّارين عن التوقيع عليها أو سحب توقيعاتهم، في محاولة لاحتوائها كي لا تتحوّل إلى ظاهرة، لكنّهم فشلوا في ذلك، على الرغم من التهديدات التي حملتها محاولاتهم بالإقصاء والطرد.

هذا الفشل يعكسه تدحرج “كرة العرائض”، بداية من سلاح الجوّ، إلى سلاح البحريّة والمدرّعات، الذي انضمّ مئات من جنوده وطالبوا بإنهاء الحرب على غزة، مؤكّدين في رسالتهم أنّ “استئناف القتال يعيق إطلاق سراح الرهائن، ويعرّض الجنود للخطر، ويتسبّب في إلحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء”.

هاجم الجنود الحكومة قائلين: “نشهد سلوكاً حكوميّاً يقوّض أُسس الدولة، ويضرّ بالثقة العامّة، ويثير مخاوف جدّية من أن تملي القراراتِ الأمنيّة اعتباراتٌ غير مشروعة”.

انضمّ إلى الحراك عشرات الأطبّاء العسكريين من قوّات الاحتياط الذين وقّعوا على رسالة تطالب بوقف الحرب بغزّة وجاء فيها أنّه “بعد 550 يوماً من القتال نشعر بأنّ استمرار الحرب بغزّة يخدم مصالح سياسية وشخصية”.

ذكرت القناة 13 الجمعة 11 نيسان أنّ مئات جنود الاحتياط في وحدة الاستخبارات 8200 انضمّوا إلى العريضة الاحتجاجية في شأن غزة، قائلين: “لا نقبل بأن تواصل القيادة السياسية الحرب من دون توضيح الاستراتيجية لتحقيق أهدافها”. في حين ذكرت القناة 12 أنّ نحو 2,000 عضو هيئة تدريس في مؤسّسات التعليم العالي انضمّوا إلى العريضة الاحتجاجية في شأن غزة، مؤكّدين أنّ الاتّفاق فقط يمكن أن يعيد الأسرى، والضغط العسكري يؤدّي غالباً إلى مقتلهم، وأنّ الحرب تخدم الآن بشكل أساسي مصالح سياسية وشخصيّة لا مصالح أمنيّة.

الهجوم والعقاب

اتّهم نتنياهو الموقّعين على العريضة بالسعي إلى إطاحة الحكومة، مقلّلاً من مكانتهم، وداعماً لوزير الأمن يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير في إقصاء جنود الاحتياط الفاعلين الذين وقّعوا على العريضة، معتبراً ما جرى عصياناً، واصفاً الموقّعين بـ”مجموعة هامشية متطرّفة تحاول مجدّداً تقويض المجتمع الإسرائيلي من الداخل. تتحرّك بدافع وهدف واحد: إسقاط الحكومة”.

لفتت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى أنّ “60% من الموقّعين على قائمة طواقم سلاح الجوّ لا يزالون في الخدمة الفعليّة، والبعض منهم مؤهّل للطيران، وأنّ 10% من الموقّعين هم من جنود الاحتياط الفاعلين، معظمهم متطوّعون. ومن بين الموقّعين شخصيات عسكرية بارزة في سلاح الجوّ، بينهم رئيس الأركان الأسبق دان حالوتس، واللواء المتقاعد نمرود شيفر، إلى جانب عدد من كبار الضبّاط المتقاعدين مثل العميد آساف أغمون، اللواء غيل ريغيف، العميد راليك شفّير، وأمير هسكيل، وهذا الأمر ينطبق على العشرات من طواقم سلاح البحرية الذين نشروا الرسالة ولا يزالون في الخدمة النظامية”.نقلت إذاعة الجيش عن مصدر أمنيّ قوله إنّ “من يوقّع على هذا النوع من البيانات يفتقر إلى الثقة بقيادة سلاح الجوّ ورئيس الأركان والمهمّات التي تُسند إليه، وسيكون من الصعب استمراره في الخدمة”، بينما هاجم وزير الأمن يسرائيل كاتس العريضة، واعتبرها محاولة لنزع الشرعية عن الحرب على غزة.

تُعتبر العريضة أحد أوسع مظاهر الاحتجاج داخل الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب على غزة، وتأتي بالتزامن مع تصاعد الانتقادات لحكومة نتنياهو واتّهامها من قبل عائلات الأسرى والأحزاب المعارضة باستغلال الحرب لأغراض سياسية وشخصية.

حتّى الآن لا يمكن اعتبار العريضة تمرّداً داخل الجيش، أو ذات تأثير كبير، ولن يكون لها حتى الآن أو للقرارات التي اتُّخذت بناء عليها أثر على عمليات جيش الاحتلال في غزة، لكنّها بلا شكّ ستزيد من الهوّة وحالة الانقسام داخل إسرائيل، وقد تفتح الباب أمام قطاعات جديدة للانضمام إليها، حسب التقديرات.

 ردود الفعل

لا تزال تأثيرات هذه العرائض والاحتجاجات في بدايتها، ومدى تأثيرها يعتمد على مدى اتّساعها في قادم الأيّام وكيفيّة التعامل معها من الحكومة والمؤسّسة العسكرية، لكنّها منذ لحظاتها الأولى عكست حالة استقطاب وخلاف داخلي. فقد انحاز قادة اليمين ووزراء الحكومة لخيار التعامل بشكل قاسٍ وحاسم مع الجنود والضبّاط عبر الإقصاء والطرد، بينما قال زعيم حزب الديمقراطيين في إسرائيل إنّ نتنياهو يرفض القتال من أجل المخطوفين، وإنّ موقّعي عريضة الاحتجاج هم حماة الدولة وليسوا ممتنعين عن الخدمة.

أمّا الكاتب والمحلّل في صحيفة “معاريف” آفي أشكنازي فرأى أنّ رسالة الضبّاط وردّ سلاح الجوّ عليها هي الهديّة الكبرى التي تلقّاها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، متّهماً اللواء تومار بار بوضع الجيش في خدمة جزء من الشعب، وليس جميعه.

يمكن القول إنّ عرائض الجيش التي اتّسعت ومن المتوقّع أن تنضمّ إليها قطاعات أخرى تكشف عن ظاهرة تذمّر واسعة النطاق في صفوف جنود الاحتياط والنظاميّين، ولدى عائلاتهم التي يُحظر عليها التعبير عن مواقفها، وتشكّل لائحة اتّهام للمستوى السياسي الإسرائيلي وحكومة نتنياهو بأنّ الحرب التي تُشنّ الآن ليست لأسباب أمنيّة بل لمصالح سياسية فقط. ويمكن لتلك العرائض مع اتّساعها أن تحظى باهتمام الإدارة الأميركية لأنّها ستشكّل إسناداً لحراك عائلات الأسرى والمحتجزين بما يتوافق مع موقف الرئيس ترامب، الذي ذكرت مصادر عبريّة أنّه أمهل نتنياهو أسبوعين إلى ثلاثة لإنهاء الحرب.

أحمد الصادق – رام الله