بقلم د. باسم عساف
إنقضت عطلة الصّيف ليعود الطلاب والتلامذة إلى معاهدهم ومدارسهم، ويعود الجميع مع قرب مجيئ الخريف إلى أعمالهم، ومع إنتهاء إستجمامهم وأخذ راحتهم، من عناء الأعمال والجهود المتراكمة، التي تتنفس في فرصة الصيف والحر الشديد، حيث تتعالج في البحور والمنتجعات، أو بأعالي الجبال، ونسائم الضباب وقطر الندى.
وهذا يسري أيضاً على من يتولى المسؤوليات الرسمية في البلاد، التي تعجُّ بالأعمال والتجارة والإقتصاد، أو في البلدان الصناعية والإنتاج، الذي تدور فيها العجلة على مدى ساعات الليل والنهار، من دون توقف، ليجد العاملون فيها العطلة الصيفية بأنها الملاذ الأمين للراحة والإستجمام.
أما أن يكون البلد كمثل لبنان خالٍ من التجارة والإستثمار، ومن الصناعة والإنتاج، ومن كل المقومات الإقتصادية والمالية، ومن كل الأعمال التي ترتبط بالنهضة والإزدهار، ما عدا السياحة والإستجمام، إن تيسر لها الأمن والإستقرار، لا كما حدث في هذا الصيف، حيث إنكسر العمود الفقري لجسد السياحة في عِزِّ الموسِم، وباتت مشلولةً تعاني الأمرَّين، أولهما: مُرُّ الحرب وإتساعها من الجنوب حتى الشمال والبقاع، بما فيها مطار ببيروت، الذي تعرض للشلل النصفي، وبات على عكازات شركات الطيران، التي تحكَّمت برحلاتها الفوضى، فتسبب ذلك بالهذيان وعملية طوفان المغادرين، وثانيهما التخبط الحكومي، في إيجاد الحلول، للكثير من الخدمات والرقابة على التمادي في الأسعار، وكأن السائح والمغترب في غابة قوانين وزارة السياحة، تنهش بعضها بعضاً عوضاً عن الخدمات الأخرى، التي تعمل على تطفيش كل القادمين للإستجمام في بلد الجمال، وفي مقدمة هذه الخدمات: التي تأتي في الأولوية السياحية، وهي الكهرباء حيث وصلت هذا الصيف إلى صفر إنتاج، للتدليل على الإهتمام الكبير، بإنجاح الموسم الذي بات المورد الوحيد للعاملين به، وللدولة التي تستفيد منه بواسطتهم، فتم القضاء عليه، فيما المسؤولون يستكملون إستجمامهم على شواطئ اليونان وإيطاليا وأوروبا، غير عابئين بما يدور في لبنان، من جنوبه وحتى شماله، بالحرب والتعتيم والظلام، وحتى بالنهب والسرقات والتشبيح..
عادت كل قوى الشعب العامل، إلى وظائفها وأعمالها ومدارسها، وإستكمل الكادحون حياتهم بالقهر والجوع والمرض، حيث لا يفرقون بين الصيف والشتاء تحت سقفٍ واحدٍ، وقد لا يذوقون طعم الإستجمام والعطلة الصيفية، حيث تدور عليهم السنون والأيام، وهم يفتشون عن لقمة العيش وتسديد الأقساط، والرسوم والضرائب دون جدوى، أو يدورون من عتبة زعيم إلى باب أثرياء الحرب، ليجدوا ضالتهم فيمن يشتري لهم حليب أطفالهم أو دواء مرضاهم، ويلقون معها الكلمات اللاذعة، أو الطرد مع التهديد بعدم العودة، حيث يعكٍّرون صفو مزاجهم بالإستجمام، والصرف عليه لتكتمل فرحتهم بعطلة الصيف، الذي كان حاراً، ليزاد عليه حرارة طلب المعوزين حتى يتسبب لهم بالضغوط المالية، التي لا تطاق مع هؤلاء المتطلبين: بالغذاء والدواء والكهرباء والماء، على حد سواء.
كما كل الموظفين والعاملين، الذين مُنحوا العطلة الصيفية، لتعود اللجنة الخماسية إلى عملها، بعد أن أدَْت إستجمامها في أروقة الدول، التي تتمثل بها، وعادت المياه إلى مجاريها، والدماء إلى عروقها، مع الدعوات إلى مباشرة أعمالها، بإتصالات بين أعضائها، وكان التحرك الأول من فرنسا إلى السعودية، بزيارة لودريان وإجتماعه إلى العلولا والبخاري، والخروج بتصريحات تنعش المبادرة، وتعيد الحركة إلى الباقين، ليتحضروا إلى عقد إجتماعٍ قريبٍ، ينبشوا فيه كل الأوراق التي ذهبت إلى الأدراج من دون إحراج، ولم تذهب إلى البحر لئلا يشربوا مياهها.
هذا ما يتعلق باللجنة الخماسية، أما ما يتعلق بالكتل والزعامات السياسية، وما تتراشق به من مواقف حماسية، ومن تصريحات حديدية ونحاسية، وكأن لبنان في مهب الريح، وطيوره تغرد خارج السرب ، بل كلٌ يغني على ليلاه، دونما إنسجامٍ في ردَّات الفعل ولا حتى في الردود المتناغمة مع المضمون، وهو المتعلق بالإستحقاق الإنتخابي للرئآسة الأولى، حيث دخل لبنان السنة الثالثة من الفراغ الرئآسي، وبات قريباً من التخرج، ليتداول سياسيٌّوه بجنس الملائكة، دون أي حرج أن تكون العربة في المقدمة، أم الحمار في المقدمة، وعليه توزن الأمور السياسية، بأن الحوار في المقدمة أم الإنتخاب قبله وما هو المقياس لهم: العرف أم الدستور.
فبالنسبة لهم، العرف يحكم الدستور، حتى يجدوا لأنفسهم مكاناً في مراكز القوى المبنيًّة على الطائفية والمذهبية، التي يتلطون وراءها وهي كالمتاريس، التي يُصوِّبون من ورائها على بعضهم البعض، ولا ينال عقباها سوى الشعب، الذي يلحق بهم ويسير كالأعمى بركبهم.
نعم فبالرغم من هذه المشاهد المخذية، التي أوقفت جهود اللجنة الخماسية سابقاً، لتذهب إلى عطلتها الصيفية ونومها السبات، لتستيقظ من جديد مع كل النشوة للعودة إلى محاولات سدِّ هذه الثغرة الدستورية، من أجل الإنتقال إلى ثغرات أخرى أمنية ومالية وإقتصادية، وغيرها من الأمور الخدماتية والتنموية.
علَّهم يجدون ضالتهم في النهوض، وعودة لبنان إلى سابق عهده من الإستقرار ، وألا يعود لبنان إلى الإنقسام والإنحدار، بفعل التجاذبات السياسية، والتي أوقفت مساعي الخماسبة، ومنحتها عطلتها الصيفية، وعلى أمل أن تغير المنظومة السياسية أساليبها العرفية، لتسير على المنظومة الدسنورية، وتنتخب رئيساً للجمهورية، حتى لا تعود اللجنة الخماسية، إلى نغمتها القديمة الديبلوماسية، ويخسر لبنان فرصته المَاسيَّة.
د. باسم عساف