بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
بين الخارج والداخل تكاد تتّضح صورة التكامل بينهما وكأنّهما يتناغمان على الإيقاع نفسه. خارجياً يبدو اجتماع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مع مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير السعودي وليد البخاري في الرياض عنواناً لحراك داخلي بدأ مع تخفيض السقوف للقوى السياسية المتخاصمة. كلٌّ يجد طريقه للنزول عن الشجرة في حين تحرص واشنطن على ضبط إيقاع الجبهة الجنوبية في اجتماعات تعقدها مع مسؤولين إسرائيليين.
أمّا الحزب فهو في خيار بين أمرين: إمّا استمرار التصعيد الإسرائيلي وإمّا الذهاب إلى تسوية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية يفاوض تحت النار لوقف العدوان على لبنان والاتفاق على تثبيت الحدود.
انتهاء الفرص الدّبلوماسيّة
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ لبنان وُضع منذ أشهر بين أمرين للذهاب إلى اتفاق حدودي وتنفيذ القرار 1701. الأوّل بالدبلوماسية والثاني بالحرب. لم يختر لبنان يومها الطريق الأسهل. اختار المواجهة إلى أن أصبحت القرى الحدودية رماداً. اليوم، تضيف المصادر، تصرّ إسرائيل على الاستمرار بحربها بمزيد من الاغتيالات وتدمير البنى التحتية التابعة للحزب. انتهت الفرص الدبلوماسية وأصبح التفاوض بالنار. أما وقد انتهت الجولة الأولى بردّ الحزب على اغتيال قائده فؤاد شكر، فيبدو أنّ المجتمع الدولي اتّخذ قراراً بالضغط في سبيل إنهاء الملفّ اللبناني. وعليه، نشر موقع “أكسيوس” خبراً عن لقاء افتراضي جمع الأميركيين والإسرائيليين. وفي المعلومات أنّ الاجتماع الافتراضي استغرق ساعة كاملة. وكان الفريق الأميركي بقيادة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان. كما شارك مستشارا الرئيس بايدن آموس هوكستين وبريت ماكغورك. أمّا الفريق الإسرائيلي فكان بقيادة وزير الشؤون الاستراتيجية المقرّب من نتنياهو رون ديرمر.
بحسب مصادر متابعة ناقش الطرفان كيفية التوصّل إلى حلّ دبلوماسي طويل الأمد لإنهاء القتال بين إسرائيل والحزب تزامناً مع التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
لكنّ الجدير ذكره في هذا اللقاء أنّ الطرفين ناقشا أيضاً كيفية تهدئة القتال وفق السيناريو الأكثر ترجيحاً في الوقت الحالي، وهو عدم التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة في الأمد القريب.
تهدف المهمّة الأميركية هذه إلى الوقف التدريجي للتصعيد على الجبهة اللبنانية وفق سيناريو يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية يفاوض “تحت النار”. هذه المهمّة يلاقيها اجتماع المملكة الذي بدأت تظهر تداعياته حتى قبل انعقاده على مستوى الداخل اللبناني
الرّهان على الوقت يؤدّي إلى مزيد من الخسائر
تزامناً مع ما سينتج عن اجتماع الرياض من حَراك رئاسي في بيروت، قالت مصادر سياسية مطّلعة على حركة الرسائلِ بين القوى السياسيةِ الداخلية إنّها جميعها تعمل على خفضِ السقوف تدريجياً وفق ما بدا في المواقف الأخيرة.
خفض السقوف بحسَبِ مصادرَ دبلوماسية بدا انعكاساً لاتفاق أميركي إيراني على ربط النزاع بانتظار الانتخابات الأميركية ونتائجِها، لا سيّما مع تقارب الأرقام بين الجمهوريين والديمقراطيين.
بحسب المصادر الدبلوماسية بدأ ربط النزاع هذا بتجميد طهران لسقفِ العمليات الأمنيّة من إيران إلى اليمن والعراق ولبنان. أمّا الديمقراطيون فمستمرّون في مسعاهم مع تل أبيب والضغط عليها لخفض وتيرة القتال في غزة والتوصّل إلى هدنة إنسانية على الأقلّ.
بالتالي ترى هذه المصادر أنّ هذا الجوَّ يمكنُ أن يؤدّي إلى خرق في رئاسة الجمهورية اللبنانية، ولا سيما أنّه يترافق مع مشهدٍ داخلي أكثر استعداداً للوصول إلى منتصَف الطريق، والحزب ليس بعيداً عنه.
طرحت المصادر الدبلوماسية أنّ إشكاليّة المزيدِ من الانتظار بلا أفق، وبالتالي رهان الحزب على تغيّر توازنات المنطقة سيؤدّي به إلى مزيد من الخسائر لا مزيد من المكتسبات.
برّي وجعجع يمهّدان الطّريق
انعكس المشهد الداخلي على مستوى المواقف مباشرة على الجوّ الإقليمي والدولي. قالت مصادر سياسية مواكِبة للرئيس نبيه بري ورئيس حزب القوات سمير جعجع إنّهما عملا على تمهيد الطريق للتلاقي. فالرئيس بري أعاد مصطلحَ التشاور في ساحة النجمة إلى خطابه بعد جولة تصعيد سابقة، ثمّ أكّد فصلَ غزة عن الجنوب وعن الرئاسة. أمّا جعجع فاستَخدم مجموعةَ تعابيرَ أراد من خلالها أن تصلَ إلى حارة حريك:
– أوّلاً: رفض جعجع الهتافات التي وَصفت الحزبَ بالإرهابي وطلب من مناصريه وقف هذه الهتافات.
– ثانيا: قال جعجع إنّ شهداءَ الحزب هم شهداء المقاومة، معبّراً عن الحزن على هذه الخسارة.
– ثالثاً: قال جعجع إنّ أحداً من الفريقين لا يستطيع انتخاب رئيس وحده.
– رابعاً: تحدّث جعجع عن وحدة البلد في منطق يناقض منطق التقسيم أو الفدرالية.
بناء على هذا المعطى، وجدت مصادر سياسية مطّلعة على هذا الخِطاب أنّ جعجع أَسقط مستوى المواجهة مع الحزب من العداوة إلى الخصومة، وهذا ما سيكون عنوانَ اليومِ التالي للحرب على ألّا يكونَ الرئيس بري بعيداً عنه.
وعليه، يبدو في المشهد أنّ كلمة السرّ قد وصلت وبدأ الجميع برحلة النزول عن الشجرة، على أن يبقى من تمسّك بها خارج التسوية المقبلة. جديد الضغط على القوى الحاكمة للمضيّ في المسار الدولي المقبل للبنان، تقول مصادر دبلوماسية، توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في رسالة واضحة بأنّ زمن الحمايات انتهى وبدأ العمل تحت النار. وبانتظار مزيد من الرسائل التي ستبدأ بالوصول إلى هذه القوى، لا يزال السؤال مشروعاً حول موقف الحزب. هل يلتقط السلّم للنزول عليه والذهاب باتجاه التسوية أم ينتظر مزيداً من الوقت ليبرم اتفاقه مع الإدارة الأميركية الجديدة؟
جوزفين ديب