بقلم خيرالله خيرالله
يشير ذهاب وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى كييف للقاء الرئيس فولوديمير زيلنسكي إلى مدى الجدّية التي تتعاطى بها الدول الغربيّة مع موضوع تزويد «الجمهوريّة الإسلاميّة» روسيا بصواريخ باليستية. نفت إيران، في طبيعة الحال، أن تكون أقدمت على مثل هذا العمل. لكنّه يوجد عاملان يدعوان إلى تصديق الرواية الغربية عن الصواريخ الإيرانيّة. الأول أن الإتهام الموجه إلى «الجمهوريّة الإسلاميّة» لا يقتصر على أميركا وبريطانيا، نظرا إلى أن المانيا وفرنسا إتخذتا الموقف نفسه. البلدان معروفان بأنّهما غير خاضعين للإملاءات الأميركية. ظهر ذلك في الماضي عندما رفضت فرنسا السير في الخط السياسي الأميركي عندما قررت إدارة جورج بوش الإبن في أواخر العام 2002 و مطلع 2003 الإعداد لحملة عسكرية تستهدف إسقاط النظام الذي أقامه صدّام حسين في العراق. أمّا العامل الثاني فيتمثّل في عمق العلاقات، ذات الطابع الأمني والعسكري، التي تربط بين طهران وموسكو منذ قيام «الجمهوريّة الإسلاميّة» في العام 1979.
من الواضح أنّ على الغرب إتخاذ قرار سريع يسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحة هجوميّة، بينها صواريخ من أجل الدفاع نفسها في وجه العدوان الروسي الذي بدأ في 24 شباط – فبراير 2022. سيغيّر ذلك طبيعة الحرب الأوكرانيّة نظرا إلى أن زيلنسكي يطالب باستخدام الأسلحة الغربيّة التي حصلت عليها أوكرانيا في العمق الروسي وليس في الأراضي الأوكرانية المحتلّة فقط.
هل يمكن السماح لأوكرانيا بذلك؟ هذا سؤال كبير لديه إنعكاسات في غاية الأهمّية، خصوصا في ضوء امتلاك روسيا السلاح النووي وتهديدها مرات عدّة بإستخدامه في حال تعرّض أمنها المباشر، أي الأراضي الروسيّة، للخطر. سيكون مثل هذا التهديد الروسي، في حال وجد من ينفذه، بمثابة فعل إنتحار يقدم عليه الرئيس فلاديمير بوتين الذي يرفض، إلى الآن، الإعتراف بأنّه يخوض مع أوكرانيا حربا خاسرة لم يعد يعرف كيف الخروج منها.
لا شكّ أنّ بوتين في مأزق وضع نفسه فيه منذ الأسبوع الأوّل لبداية حرب أوكرانيا. وقتذاك، فشل الجيش الروسي في إحتلال كييف بعدما كان ضباطه يعتقدون أنّ ذلك سيكون نزهة شبيهة بالنزهة الروسيّة في سوريا. أظهر الأوكرانيون، خلافا لما كان يعتقده الرئيس الروسي ومساعدوه من مدنيين وعسكريين، مقاومة شديدة ودحروا القوات الروسية. إستخف بوتين برفض الشعب الأوكراني الاحتلال الروسي، خصوصا بعدما ذاق طعم الحرية، من جهة وبالغ من جهة أخرى بقدرات الجيش الروسي ونوعية السلاح الذي يمتلكه. تبيّن وجود هوة عظيمة بين السلاح الروسي والسلاح الغربي.
تضع الصواريخ الإيرانيّة الغرب أمام خيار صعب، خصوصا بعدما ظهر بوضوح ليس بعده وضوح مدى إعتماد روسيا على «الجمهوريّة الإسلاميّة» ومدى إعتماد «الجمهوريّة الإسلاميّة» على روسيا. هذه ليست المرّة الأولى التي تحصل فيها روسيا على سلاح إيراني. سبق لإيران أن أرسلت كمية كبيرة من الطائرات المسيّرة كي يستخدمها الجيش الروسي في متابعة حربه على أوكرانيا. كان ذلك بعد الهزائم التي لحقت بالجيش الروسي في اثناء محاولته السيطرة على كييف. يمكن اعتبار ذلك بمثابة ردّ للجميل الذي أداه بوتين لـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» عندما أرسل في خريف العام 2015 إلى سوريا لمنع سقوط النظام الأقلوي فيها الذي كان وقتذاك في حال انهيار بعد تقدّم قوات المعارضة في إتجاه مدن الساحل السوري، حيث الثقل العلوي. إستخدمت روسيا القاعدة الجوية في حميميم القريبة من اللاذقية لصد الهجمات على الساحل السوري. نجحت في ذلك في وقت بدت إيران عاجزة عن الدفاع عن نظام بشّار الأسد بواسطة ميليشياتها المذهبيّة ذات المشارب المختلفة.
يأتي إرسال الصواريخ الإيرانية إلى روسيا، وتدريب طواقم روسيّة في إيران نفسها على استخدام هذه الصواريخ، فيما هناك أيضا حرص صيني على الحؤول دون هزيمة روسيّة في أوكرانيا. قبل أيام أُجريت مناورات بحرية مشتركة بين روسيا والصين. يبدو أنّ الهدف من هذه المناورات إرسال رسالة إلى الغرب. فحوي الرسالة أن روسيا ليست وحدها. لديها أيضا دعم الصين وليس الدعم الإيراني فقط. قبل ذلك، حرص الرئيس بوتين على الحصول على دعم كوريا الشماليّة التي زارها لعقد محادثات مع زعيمها كيم جونغ أون الذي زار بدوره انحاء مختلفة من روسيا.
في الأسابيع القليلة الماضية، حققت القوات الأوكرانيّة تقدما في كورسك داخل الأراضي الروسيّة. لكن القوات الروسيّة نفذت في الوقت ذاته هجمات في داخل أوكرانيا واستطاعت زيادة مساحة الأراضي التي تحتلها منذ العام 2022. ألغى التقدم العسكري الروسي الجديد النتائج الإيجابية التي حققتها أوكرانيا في كورسك. هذا يعني بكلّ بساطة أن الصواريخ الإيرانيّة يمكن أن تلعب دورا مهمّا في جعل الرئيس الأوكراني يعيد النظر في قدرات جيشه على الصمود في وجه روسيا المدعومة من الصين وإيران وكوريا الشمالية.
تشير كلّ هذه التطورات إلى أن المأزق الأوكراني ليس مأزقا روسيا فحسب، بل صار أيضا مأزقا غربيا. بسبب وجود هذا المأزق وبسبب استحالة قبول أميركا وكلّ دولة أوروبيّة باحتلال روسي لأوكرانيا، سيترتب على إدارة جو بايدن وعلى الدول الأوروبيّة التي أرسلت صواريخ ودبابات وطائرات إلى أوكرانيا التفكير في النقلة النوعية التي يطالب بها زيلنسكي لجهة توجيه ضربات داخل روسيا بواسطة أسلحة غربية موجودة لدى جيشه. مثل هذا الأمر وارد في ضوء حاجة إدارة بايدن إلى صمود أوكرانيا. مثل هذا الصمود سيدعم من دون شكّ المرشحة الديموقراطيّة كمالا هاريس التي تشكّل، بصفة كونها نائبا للرئيس، جزءا من إدارة بايدن.
سيكون على الغرب عموما الدفاع عن أوكرانيا لمنع روسيا من تحقيق إختراق أوروبي لديه انعكاسات في غاية الخطورة على كلّ دولة من دول القارة العجوز. سيكون عليه، في الوقت ذاته، التوفيق بين دعم أوكرانيا وعدم الذهاب بعيدا في جعل فلاديمير بوتين يفقد أعصابه بعدما ربط مستقبله السياسي ودور روسيا عالميا بحرب أوكرانيا…
خيرالله خيرالله