صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟

الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين في اليمن الذين يطلقونها في وجه الملاحة البحرية المتوجّهة إلى إسرائيل عبر باب المندب… وحتى إيلات في جنوب فلسطين المحتلّة. ثمّ إنّ هذه الصواريخ الإيرانية هي الآن السلاح الرئيس لحركة “حماس” ولـ”الحزب” في جنوب لبنان، وهي سلاح المجموعات المسلّحة في العراق.

تتداول المخابرات الفرنسية معلومات عن وصول الصواريخ الإيرانية الصنع إلى عدد من الدول الإفريقية التي حرّرت نفسها من الهيمنة الفرنسية وأخرجت القوات والنفوذ الفرنسيَّين من غرب القارّة السمراء.

كتاب يكشف الأسرار

عندما أمطرت إيران إسرائيل بأكثر من ثلاثمئة صاروخ، ارتفعت علامة استفهام كبيرة: من أين لها هذه؟ وكيف وصلت إلى هذه الصناعة العسكرية المتقدّمة؟

يجيب على هذا السؤال كتاب جديد أعدّه أربعة من كبار الصحافيين المحقّقين الألمان عنوانه: “الشبح الصيني” The Chinese Fantom. والصحافيون الأربعة هم: كريستوفر فرغيسن، فيليب غرويل، فدريك تشارماير، وباستيان أوبماير. قام بترجمته إلى الإنكليزية الكاتب سايمون بار، ونشرته دار سكرايب.

تجيب صفحات الكتاب عن السؤال الكبير بالتأكيد أنّ رجلاً واحداً يقف وراء صناعة الصواريخ الإيرانية، وأنّ هذا الرجل الملقّب بـ”الشبح” (عنوان الكتاب) هو رجل أعمال صيني يعيش منعزلاً عن العالم في مكان ما شمال الصين، يدعى “كارل لي”. تتابع أجهزة المخابرات الأميركية نشاطاته، لكنّها لم تصل إلى صورة حديثة لوجهه.

عمل الكتّاب المحقّقون الأربعة طويلاً على جمع المعلومات والوثائق عن هذا الرجل الصيني الغامض، لكنّهم لم يتمكّنوا من الوصول إلى صورة له.

تقول المعلومات إنّ “لي” أقام شركته لبيع الأسلحة في منطقة داليان Dalian التي تقع في عمق الصين (في الشمال الشرقي)، وذلك في عام 1998. وخلافاً للاعتقاد، هي شركة خاصة لا تمتّ إلى الدولة الصينية بصِلة. وأسّس “لي” شركات شقيقة لشركته الأمّ، لكلّ واحدة منها اختصاصاتها الفنّية والعلمية.

يقول الكتاب إنّ السيّد “لي” زوّد إيران على مدى ربع قرن بالمعلومات وبالموادّ اللازمة لصنع الصواريخ. ومن هذه المواد: الألمنيوم أعواد الكربون، وأجهزة gyroscopes، الأمر الذي مكّنها من إنتاج صواريخ خفيفة الوزن يمكن إطلاقها إلى مسافات بعيدة دون أن تغيّر توجّهها.

ضغط أميركيّ على الصّين

حاولت الولايات المتحدة استناداً إلى دراسة مؤلّفي الكتاب الضغط على الحكومة الصينية لوقف نشاطات هذه الشركة. ولكنّ الصين لم تجد في أعمالها مخالفة للقوانين ولا حتى للمواثيق الدولية. فشركة “دالبان” شركة صينية خاصّة تعمل بموجب الأنظمة الدولية التي تلتزم بها الشركات العديدة الأخرى المنتشرة في العالم، بما في ذلك، وخاصة، في الولايات المتحدة الأميركية.

من أجل ذلك يحتلّ اسم “لي” قائمة المطلوبين لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية، كما يؤكّد مؤلّفو الكتاب. إلّا أنّه يتمتّع بحماية الدولة الصينية. ويساعده في ذلك عدم تحرّكه خارج الصين، وحتى خارج المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد حيث تقوم شركته.

لا تنحصر مشكلة الولايات المتحدة مع “كارل لي” في أنّه يزوّد إيران بالمواد والمعلومات التقنية لإنتاج الصواريخ البعيدة المدى فقط، لكنّ المشكلة تتجاوز ذلك إلى العلاقات الأميركية– الروسية. ذلك أنّ روسيا تعتمد إلى حدّ ما على الصواريخ التي تستوردها من إيران (إلى جانب الطائرات المسيّرة). وتعتقد واشنطن أنّ روسيا تقدّم لإيران مقابل ذلك معلومات علميّة ومواد نووية أدّت إلى تسريع تطوير الصناعة العسكرية النووية في إيران.

صحيح أنّ إيران ليست “جمعية خيرية” تقدّم الصواريخ هبة لروسيا (ولا حتى لحلفائها في المنطقة العربية)، لكنّ المقايضة العلمية والعسكرية بين طهران وموسكو هي ما يقلق واشنطن، ويتمحور هذا القلق حول الأبعاد الخطيرة للدور الذي يقوم به “كارل لي”، هذا الصيني المجهول، في مكان ما في شمال شرق الصين!!

محمد السماك

التعليقات (0)
إضافة تعليق