بقلم د. باسم عساف
تزامناً مع عملية طوفان الأقصى الحماسية، وردِّ الفعل الصهيوني عليها، من كافة أنحاء العالم، وليس من داخل الكيان الغاصب فقط، حيث تحركت البارجات والأساطيل، وكافة قطاعات السلاح الثقيل، لتقام الجسور الجوية والبحرية، من أجل مساعدة ومساندة الجيش الذي تم قهره ، وأفتضح أمره، وعرف وِكرُه، وبات مهزلةً أمام الرأي العام الدولي، وعبرةً للداخل اليهودي، الذي إنقلب على الصورة، التي يصدِّرها جيش الإحتلال للعالم، وباتت الأمور مزعزعةً أمامهم، حيث الإنتقادات والنفور فيما بينهم، من أعلى رتب القيادة حتى أدناها، عدا عن العديد ممن لم يلتحق بالإستنفار، إلى الهروب والسفر، لئلا تطالهم يد الغدر والبلاء، من تطويعهم وزجِّهم بأتون الحرب بالقوة، وهم يتنقلون من فشلٍ إلى فشل.
بدأت ردَّات الفعل بالقصف الحربي بحراً وبراً وجواً، حيث بدأ جيش الكيان بالإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة بشكل ممنهج، حيث القصف بات يسير بشكل أفقي بدءاً من الشمال إلى الجنوب، وهم يقصدون التشريد لمن تبقى حيّاً من أهل القطاع، لينزحوا نحو جنوبه، وحتى الحدود مع مصر ومعبر رفح بالذات، مع ما يمكن إبادته عبر رحلة النزوح، وعمليات الأرض المحروقة لكل ما يدل على الحياة، من دون حسابٍ لحصانة المساجد والمدارس، ومآوي الأيتام والعجزة، والمستشفيات حتى لمقاسم الخُدَّج من الأطفال أو مرضى غسيل الدم والعناية الفائقه، ودور الإغاثة والمنظمات الإنسانية والإغاثية، ومنها الأونروا المختصَّة بغوث اللاجئين الفلسطينيين، ومنذ نشأتها سنة/ ١٩٤٩ وبعد قرار تقسيم فلسطين، وتشريد أهلها وتشتيتهم في الداخل والخارج، وبعد إجتياح أراضيهم وقراهم، التي لم تسلم من التدمير والقتل، دون أي رادعٍ ولا ضميرٍ، ولا أي حسابٍ لقانونٍ دوليٍ، أو قضاء المحاكم الجنائية والعدالة الدولية، وهي تجزم بأحكامها ومقرراتها بوقف المجازر فوراً، ووضع حدٍّ لهذه المجازر، التي فضحت أهداف وغايات هذا الكيان الغاصب، ومدى صلفِه وغيِّه وتعَنُتِه بالإستجابة لمطلب الرأي العام والشعوب المستنكرة، إضافةً لعموم الدول التي صَوَّتت لوقف هذه الحرب الجنونية العبثية، من شياطين الإنس على وجه الكرة الأرضية.
هذا الكيان المُعلَن عنه منذ/ ٦٧ سنة، والمُعدُّ له منذ أكثر من مائة سنة، لم يقم إلا على السلاح وعلى الحرب وعلى القتل والتدمير، عكس كل بلاد العالم، التي تسعى لأبنائها ورعاياها بالسلام والإطمئنان، والتطور والتقدم لأجل الإستقرار، والإنطلاق نحو المستقبل الباهر، الذي يؤمِّن لمواطنيها، الحياة الحرَّة الكريمة والعيش الهانئ لهم، وتجسيد معنى الحياة للبشرية في خَلقِهِم وأخلاقهم، والجميع يسري على هذا المنهاج، ماعدا هذا الكيان، المبني على الإحتلال، وبالتالي على الحروب والدمار والخراب، وإستخدام الإبادة الجماعية لشعبٍ آمنٍ ومسالم.
كل ذلك يجري لأجل إحلال مستوطنين خلفاً لهم، يعيثون في الأرض فساداً وإفساداً، ويضَلِّلون العالم بأبهى وأبهر الشعارات الفارغة، والمغلَّفة بأسمى العبارات والمشاهد، التي تشدُّ العواطف والشعور نحوها لإنقاذ البشرية، والتي أفتُضحت بأقلِّ وأصغر حدثٍ مباشر بالوقت والتكاليف، كما حدث في طوفان الأقصى، وقد تمت من دون رتوش وخيانة وتمثيل مسرحي كما في الحروب العربية على مدى عشرات السنين، التي خدعت الشعوب بحربٍ نفسِيّةٍ مفبركةٍ مسبقاً.
حرب قطاع غزَّة التي أعقبت عملية طوفان الأقصى، دلَّت على الأحقاد الدفينة بشكل واضح وفاضح، على نوايا وغايات الصهيونية العالمية وأتباعها في العالم عامةً، وفي الكيان الغاصب خاصةً، فما شهدته الأراضي الفلسطينية منذ مجازر عصاباتهم، الذين إستقدموا منذ الإحتلال البريطاني لأرض فلسطين، وحتى هذه الأيام، والمجازر التي تقيمها وتعتدي فيها على مخيمات اللاجئين العزَّل في رفح، وبعد تجميعهم بدءاً من شمال القطاع وحتى وسطه، ثم جنوبه، وهي تمعِن بهم تقتيلاً وتدميراً وتشريداً.
علماً بأن الكذب هو سيد أسلوبهم، إذ أطلقوا الوعد بأنّ الذي يصل إلى رفح، فهو آمن، من أجل فصل المدنيين عن المقاتلين، ولأجل التفرُّد بهم والقضاء عليهم، إلى أن إنقلب السِحر على السَّاحر، وتبيَّن أن المقاومين يثبتون في أماكنهم شمالاً ووسطاً وجنوباً، من كامل تراب القطاع، وهم يزدادون صموداً وضراوة، وإمعاناً في قتل جنود الكيان، الذين هالهم هذا الأمر، حيث قضَّ مضاجعهم، وأذهل العالم وأركان حكومتهم وحربهم، الذين إلتفتوا نحو المدنيين العزَّل، والذين حصروهم في رفح آخر المطاف بالحصار، ليمعنوا في غيِّهم وعنفهم، ليرتدَّ هولاً بالشراسة، وقتل النساء والأطفال وحرقهم داخل خيَمِهم، من دون رحمةٍ ولا شعورٍ بالإنسانية، التي تاجروا بها سنوات وسنوات على حساب الشعب الفلسطيني..
ماذا عسانا وعسى العالم الحُرّ، أن يقول أمام هذه المشاهد، التي تشمئِزُّ منها النفوس، وتستحي من مشاهدتها العيون، وتسخرُ منها الشعوب، فهل نُطلق الشكر والإمتنان، أم الإزدراء واللوم لنتنياهو، وحكومته الحربية ووزرائه المجانين، المتشوِّقين لمشاهدة الدماء، والمُنادين بالقتل الجماعي والإبادة للأطفال لئلا يكبروا ويقاتلوا الجنود والمستوطنين، فيقضوا عليهم، وليس طردهم فقط، كما كان ينادي آباءهم وأجدادهم.
فالشكر كل الشكر لهم، ولكلِّ صهيونيٍ في العالم الذين بانوا على حقيقتهم، من بعد ما كشفهم المقاومون الأبطال بعد طوفان الأقصى، والشكر الأكبر للمقاومين، الذي كشفوا الخِزي والعار لكل العملاء والخونة من الأنظمة العربية، الذين كانوا يمارسون النفاق والكذب والرياء، أمام شعوبهم بشعاراتِ التحرير وإزالة آثار العدوان، وإستعراض الجيوش على أساسها، بينما كان أمضى السلاح، يستخدم في وجه شعوبهم، ولم يطلقوا طلقةً واحدةً جادةً، نحو العدو الذي أشبعوا مواطنيهم بسحقه والقضاء عليه، وإعادة الأرض إلى أصحابها منذ مائة عام، وهم يتنقلون من هزيمةٍ إلى نكبةٍ، وإلى نكسةٍ، وقد أدماهم الجيش الذي لا يُقهر بقوله: (من فمكم أدينكم).
الشكر موصولٌ للمعتوه نتن ياهو، الذي فضحهم بتعنُّته وإصراره على الهزيمة والفضائح، بإنعكاس أحقادهم وما تُخفي صدورهم أكبر، وما تجني أياديهم أكثر ، وما تعطي وعودهم بالتطبيع أبهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربِّك فحدث.
إن الحركة الصهيونيَّة العالمِيَّة، قد وصلت إلى العلُوِّ الكبير، وأن فسادها قد ملأَ الأرض جوراً وظلماً وإنحرافاً وإستبداداً، حيث شيطنوا كل الأمور المتعلقة بحياة البشر وحاجاتهم للعيش، حتى يكونوا طيِّعين تحت أمرَتهم، وحتى تسهُل شؤون الهيمنة على العالم.
فحركةٌ بهذه الصفات، التي إمتلكت زمام الأمور على كل الصُعد، لاتقدر ولا تستطيع أن تلجم، وتضع حداً لمعتوهٍ يقود اليهود والصهيونية إلى الهلاك والفناء، وإلى إنقلاب العالم والدول والشعوب عليهم، بفعل فظاعة القتل واالتدمير والإبادة، والعجب العجاب يترافق مع التساؤل: ألا يوجد لديهم حكماء صهيون، وعقلاءٌ مَهيبون، يمنعون جانحاً مجنون، يقودهم إلى الفناء والمَنون، وهم قدإمتلكوا الفوز بجائزة نوبل كل العهود والسنون، لتكون هي دليلاً على الكذب والمجون، ولتزيدهم بلاءً في الأحكام والطعون، وتنقلب المحاكم ومنظماتهم الدولية عليهم لكثرة الظنون، وكما في الأمثال: (من حفر حفرةً لغيره، وقع فيها)، وأيضاً: (غلطة الشاطر بألف)، فغلطة المجازر والهجوم على رفح، ستجد أن صبر العالم قد طفح.
د. باسم عساف