بقلم خيرالله خيرالله
لم يكن تاريخ الاول من حزيران – يونيو 2024 يوما عابرا في الكويت بل هو يوم مفصلي بعد تزكية امير الكويت الشيخ مشعل الاحمد للشيخ صباح الخالد الحمد الصباح وليا للعهد في تلك الدولة التي بات الاستقرار ثابتا من ثوابتها مهما احاطت بها الرياح من خارج ومن داخل.
يمكن القول ان تعيين صباح الخالد «ضربة معلم» من الشيخ مشعل الاحمد بكل المقاييس، فالمفاجأة التي لم يعلم بها احد قبل اعلانها بوقت قليل جدا كانت استمرارا لنهج اختطه امير الكويت الذي تسلم مهماته نهاية عام 2023 وهو اختيار قياديي الدولة وفق معيار الكفاءة والخبرة بغض النظر عن الاعراف والتقاليد والمعايير التي كانت سائدة لسنوات.
قبل الحديث عن شخصية ولي عهد الكويت الجديد لا بد من القول ان اختياره عبور للاعراف التي كانت سائدة.
ففي الكويت كان يقال ان أي ولي عهد يجب ان يكون والده اميرا وذلك لأن جميع من تولوا مسند الامارة في الكويت منذ مؤسس الدولة الحديثة مبارك الكبير كان آباؤهم امراء. صباح الخالد والده لم يكن اميرا.
وفي الكويت عرف يقضي بأن جميع الامراء من القرن الماضي وحتى الآن كانوا اما من فرع الاحمد او من فرع السالم. صباح الخالد من ذرية مبارك لكنه من فرع الحمد الذي لم يصل منه تاريخيا احد الى هذا المنصب
وفي الكويت تكرس قبل سنوات عرف يقضي باتباع القاعدة العمرية في اختيار ولي العهد اي ان الاكبر سنا من شيوخ الاسرة ومن ذرية مبارك يتولى المنصب. صباح الخالد ليس من ضمن نادي كبار السن بل هو اصغر بسنة من رئيس الحكومة الشيخ احمد العبدالله.
ايضا، لم ينتظر امير الكويت المهلة الدستورية المعطاة له وتنتهي في نهاية 2024 بل بادر الى اختيار ولي للعهد قبل تلك المدة.
وبسبب ظروف حل البرلمان الكويتي وتعليق بعض مواد الدستور لمدة لا تتجاوز السنوات الاربع، تحولت السلطة التشريعية الى السلطة التنفيذية اي الحكومة. وكان الامر يجري سابقا كالتالي حسب الدستور: يزكي امير الكويت وليا للعهد ويقدمه الى مجلس الامة المنتخب فتتم مبايعته، اما اذا حصل اعتراض ملموس فيسمي امير الكويت ثلاثة اشخاص لمنصب ولاية العهد يختار منهم مجلس الامة واحدا. صباح الخالد أدى القسم امام مجلس الوزراء الذي بايعه كون الحكومة صارت بموجب مرسوم حل البرلمان سلطة تشريعية ثم اقسم بعد ذلك امام الامير الذي اصدر امرا بتعيينه وليا للعهد بينما كان المرسوم الذي صدر قبل ساعات يتحدث عن «تزكية».
كل هذه الاعراف تم تجاوزها في اختيار صباح الخالد، اما «ضربة المعلم» فكمنت في ان ولي عهد الكويت الجديد تدرج في مناصب حساسة في الدولة وخبر شؤونها وشجونها من بداية دخوله السلك الديبلوماسي وعمله مع البعثة الدائمة في نيويرك ثم اختياره لسنوات سفيرا في الرياض، ثم تسلمه رئاسة جهاز الامن الوطني كأول رئيس له مع ما يعني ذلك من جهود تأسيسية استثنائية، ثم تسلمه وزارت الشؤون والاعلام والخارجية التي كان فيها صوتا مدافعا عن الكويت في كل المحافل الاقليمية والدولية… ثم تولى رئاسة الوزراء في واحدة من اصعب ظروف الكويت اي جائحة «كورونا» التي ادار خلالها عملية مواجهتها باقتدار اضافة الى ان رئاسته للوزراء كانت ايضا في مرحلة انتقالية بين رحيل الامير الشيخ صباح الاحمد ووصول الامير الراحل الشيخ نواف الاحمد الى مسند الامارة وتسلم الشيخ مشعل الاحمد ولاية العهد.
كما في كل المراحل الانتقالية كان على حكومة صباح الخالد دفع الثمن امام هجمة برلمانية غير مسبوقة بعضها مدفوع من بعض الشيوخ المستعجلين للصعود في سلم الحكم والذين استخدموا نوابا معروفين لتوتير الاجواء وضرب ما عرف بمرحلة «الرئيسين» اي صباح الخالد في الحكومة ومرزوق الغانم في رئاسة المجلس، وهو ما ادى فعلا الى حل البرلمان وتغيير الحكومة. واللافت في الكويت ان بعض نواب تلك المرحلة الذين ما توقفوا عن مناداة الشيخ صباح الخالد بـ»الرئيس المخلوع» كانوا اول من وجه له التهنئة وكأن شيئا لم يكن وهو امر يعطي فكرة عن طينة بعض هؤلاء النواب الذي قبلوا اما بلعب دور الادوات عند آخرين واما انهم كانوا قصيري النظر وشعبويين. جعل هذا الامر يومها الحكومة تخسر قامة مثل قامة صباح الخالد.
يتوقع أن يكون لتعيين صباح الخالد انعكاس جذري حتى على شهية بعض الشيوخ التي كانت مفتوحة على الصراعات، خصوصا أنّه يأتي في سياق سلسلة خطوات ليست معزولة عن بعضها بعضا اهمها حل البرلمان واعادة تطوير دستور دولة الكويت الذي كانت بعض مواده مبررا للبعض في التعامل مع الحكومات على انها اكياس رمل يجب ان يتم لكمها ليل نهار خصوصا عبر سيل الاستجوابات التي اتضح ان غالبيتها شخصي وشعبوي ويتعلق بمصالح خاصة او انتخابية.
«ضربة المعلم» الكويتية في محلها الصحيح، فصباح الخالد رجل لم يعرف عنه غير اتزانه وتقبله الرأي الآخر وابتعاده عن الحقد والتجريح. رجل مثقف يتقن اللغات الأجنبيّة ويملك خبرات متفردة في قراءة الاوضاع الاقليمية والدولية… باختصار هو رجل سعى اليه المنصب ولم يسع اليه.
خيرالله خيرالله