في حمأة العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، رحنا نبحث في هذا العالم المأزوم عن صوتٍ يرتفع دفاعاً عن القيَم التي يجسّدها وطننا الصغير منذ نشأة الجمهورية فيه كواحةٍ للحريات الديموقراطية، وجسر عبور يربط الشرق بالغرب، وباب مفتوح على ريادة المستقبل في منطقةٍ مقفَلة (يومذاك) على التطور والحداثة في منطقة منكمشة على ذاتها متقوقعة في الماضي وقاطعة الطريق على العبور الى الآفاق الإنسانية في مجالاتها كافة لا سيما فجر ما بعد النفق المظلم، وتتعايش فيه تعددية ثقافية وفكرية بدا أنها قفزت من القوقعة الى الانفتاح الكبير.
ولم تكن مجرّد مصادفة أن تلك القِيم أعطت هذا الوطن، صغير الرقعة وقليل عديد السكان، ملتقى رحباً للعالم، بالرغم من الصراع العربي/ الإسرائيلي الذي تحمّل لبنان واللبنانيون، أعباءه الثقيلة جداً منذ تدفقَ اللاجئون الفلسطينيون والى قيام «فتح لاند» المشؤومة.
وعندما تحولت بيروت الى عاصمة عالمية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وعجزت مدن الكيان الصهيوني عن أن تجاريها كعاصمة للسياحة والاقتصاد والمال والثقافة والإعلام والطبابة والاستشفاء والفندقية والطباعة والنشر والمدرسة والجامعة، وأضحت داراً لعرض أزياء أكبر الأسماء الفرنسية والإيطالية في عالم «الموضة»، ومنصة لإطلاق أغلى أنواع العطور، ومقراً لانتخاب ملكة جمال أوروبا الخ… تفتّحت العيون عليها، وباتت المخططات توضع لضربها وإسقاط الدور، كي تقوم أدوار لعواصم ومدن في مشارق الأمة ومغاربها… ومن أسف أن اللبنانيين أنفسهم أسهموا في تنفيذ تلك المخططات من حيث يدري بعضهم ومن حيث لا يدري بعضٌ آخر … إلّا أن الجميع أسهم في ما وصلت اليه الحال التي لم يتوقف انهيارها حتى هذه الساعة.
في السابق كان لبنان يلقى مساعدات عربية وأجنبية تساعده في النهوض، وكان الصوت الفرنسي الأكثر ارتفاعاً، وكان الوطن الصغير يجد فرنسا الى جانبه في الملمات، وكان صوت الزعيم التاريخي الجنرال شارل ديغول يمهّد لتدابير داعمة، مثلما يوم هدد إسرائيل بحظر قطع غيار طائرات «الميراج» عن إسرائيل، وكانت أعظم طائرة مقاتلة في زمانها. وقامت قيامة العدو الإسرائيلي عليه. وعمل الصهاينة ضدّه بقوة في الانتخابات الرئاسية(…).
واستمر الدعم الفرنسي في ذروته مع فرانسوا ميتران وجاك شيراك الذي كان على صداقة متينة مع الشهيد رفيق الحريري.
وغاب الدور الفرنسي، وأقله أخذ يضعف تباعاً… الى أن ارتفع صوت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صرخ عالياً، امس، محتجاً على العدوان الصهيوني على لبنان. داعياً الى حظر تدفق الأسلحة الى دولة الاحتلال… شكراً مسيو ماكرون.