كنا نقول في هذه المناسبة الجليلة إننا «نحتفل» اليوم بعيد الاستقلال، الى أن وصلنا الى يوم ألغينا فيه الاحتفال كلمةً ومضموناً. وهذه حال تحزّ في النفوس. إذ يحلّ «العيد» ولبنان واللبنانيون في أسوأ أحوالهم على الصعدان كافة. إنها ذروة القهر والعذاب في ذروة الانهيار على مختلف المجالات، ما يطرح السؤال ذاته: أين كنا وأين اصبحنا؟ أين ذلك اللبنان الذي «صنعه» الآباء المؤسّسون «درة الشرقَين»، وحلم شعوب المنطقة كلّها، تلك الشعوب التي كانت تتوق الى أن تكون بلدانها على مثال الحد الأدنى ممّا كان عليه وطننا:
كانت بلدانها (وما زال معظمها) ديكتاتوريات، بينما كنّا على مستوى من الديموقراطية. كان نوابها يعَيَّنون وأمّا نوّابنا فينتَخبون. كانت المرأة محرومة من حقوقها المدنية بينما كانت شقيقتها اللبنانية تتمتع بتلك الحقوق كاملة بما فيها أنها ناخبة ومنتَخَبة.
ولم يكتفِ آباء الاستقلال بذلك، فذهبوا بعيداً: كانوا مؤسسين في جامعة الدول العربية، وكذلك في منظمة الأمم المتحدة، ومن واضعي شرعة حقوق الإنسان.
وهذا الوطن الصغير كان الرائد في المنطقة والإقليم:
في المدرسة والجامعة، في المطبعة والكتاب، في الفندق والمطعم، في السياحة والاقتصاد، في الجريدة والتلفزيون، في التطور والتقدم… وليرته كانت بين العملات الثلاث أو الأربع الأولى في العالم.
وكانت شعوب المنطقة تحسدنا لأن عندنا رؤساء سابقين، أما عندها فالسابقون موجودون إمّا في الأضرحة أو في السجون…
وجيل الاستقلال أنشأ رؤساء جمهورية كان لبعضهم دور وحضور في العالم على احترام وتقدير… ومَن يتركْ منهم الحكم يكنْ في وضعٍ مالي مزرٍ، وكذلك معظم أهل السياسة، حتى من دخل منهم ثرياً الى الحكم (على مختلف درجاته ومستوياته) غادره وليس معه ما يؤمن له الحياة الكريمة…
لذلك كان عيد الاستقلال فرحاً واعتزازاً وعرضاً عسكرياً من نوع «خبطة قدمهم عالأرض هدّارة». لأن الآباء المؤسّسين كانوا يتعهدون الاستقلال وكأنه نبتة بين أيديهم يجب رعايتها ورِيّها وتشذيبها كلّ يوم. وكانوا يعتزون بهذا الاستقلال الذي يصنعونه كل ساعة، وليس فقط ذلك الثاني والعشرون الأغرّ من تشرين الثاني 1943. وكانوا يُلحِقون كلمة الاستقلال بكلمة «الناجز». ويفاخرون بوطن الاستقلال .
أمّا أجيال هذا الزمن الرديء من زمرة الطفيليات واللصوص والمجرمين فليس يعنيهم من الوطن والاستقلال إلّا جيوبهم وبطونهم، والأشداق المفتوحة على المال الحرام.