التقيتُ، أمس، سياسياً لبنانياً عتيقاً في مناسبة تقديم العزاء الى الأخ الصديق العزيز العميد الطيار درويش حبيقة مدير عام الدفاع المدني الأسبق، بوفاة المرحومة زوجته السيدة فاديا خليفة. تشعّب الحديث في محاور عدة، كالعادة في هكذا مناسبات ليحط عند التعيينات، فقال هذا السياسي اللبناني العتيق: نحن اللبنانيين لا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب، ولقد تابعتُ ردود الفعل الأولّية على التعيينات التي أُجرِيت، حتى الآن، لأزداد اقتناعاً بأن معظم الآراء لم تكن مبنية على المنطق، ولا مصدرها القواعد المعتمدة، إنما هي صادرة عن مشاعر ومنطلقات شخصية. فإذا كان المعلِّق على صداقة مع هذا المدير الجديد، أو على صلة أو قرابة أو نسب، بادر الى المباركة والتهليل والتصفيق والإشادة وترنيم المدائح والتراويح…
وإذا كان المعلّق صاحب مطمح أو مطمع في موقع ما أو مركز أو قيادة أو مركز راح يبحث بالفتيلة والسراج عن عيب أو نقيصة أو سلبية في الشخص الذي عُيّنَ حديثاً، حتى إذا لم يجدها اخترعها.
وتساءل السياسي اللبناني العتيق: مَن مِنّا لا يملك الأمثلة الكثيرة عن التصرّفات العديدة على مقياس النموذج الذي أوردتُه أعلاه؟
وقال: لا أعرف كثيراً عن القيادات العسكرية والأمنية التي عُيّنت في مواقعها الحسّاسة جداً، ولكن من قراءتي للسِيَر الذاتية تبين لي أن الشباب يستحقون مواقعهم، وقد هالني بعض الانتقادات البعيدة كلياً عن الموضوعية التي تناولت غير واحد منهم في بعض المنصّات… وإذا كنت لا أعرفهم عن قرب فإنني أعرف أحد الذين سجّلوا اعتراضات وانتقادات قاسية في حق بعضهم، وأعرف أنه كان يسعى الى تبوّء أحد المناصب الذي رسا على سواه، فراح يتشدّق بالكلام المقذع، ولأنني أعرف هذا الشخص عن قرب، فإنني على ثقة بأنه لا يستحق أن يكون في ذلك الموقع، وهو بالتأكيد ليس أفضل من الذي آلَ إليه المركز. بل أسمح لنفسي أن أقول إن انتقاداته صادرة عن أنانية وكيدية.
واستطرد يقول: هذه الخميرة من تلك العجينة، والذين عُيّنوا ليسوا ملائكة بالتأكيد ولكنهم (وبالتأكيد أيضاً) ليسوا شياطين ولا هم أبالسة، وفي سجلاتهم الكثير من الإيجابيات.
وإذ ذكّر هذا اللبناني العريق بالتعيينات التي كانت تتم في زمن الوصاية، والأثمان الباهظة التي كانت تُدفع (أموالاً وذهباً و…ما نعفُّ عن ذكره أيضاً) ختم بالقول: إن مجلس الوزراء الذي يعيّن، نظرياً على الأقل، ليس فيه ملائكة على كل حال.