لم تبدأ، أمس واليوم، مسيرة عودة لبنان الى محيطه واستعادة هذا المحيط الى ربوع الأرز بعد طول قطيعة وانقطاع استمرا طويلاً وبلغا ذروتهما في السنتين والبضعة أشهر الأخيرة التي سُجِّلت فيها إحدى مراحل الفراغ الرئاسي الأكثر خطورة في تاريخ لبنان الحديث، وما حبلت به من أحداث بعضها مروِّعٌ جداً، لا سيما الحرب الأخيرة وما توالى فيها من أحداث وتطورات، وما أُريق فيها من دماء وما أسفرت عنه من نتائج وتداعيات كارثية ومصيرية… ستظلّ ماثلة في الأذهان ومرسومة في الوجدان الى آماد مديدة.
أجل لم تبدأ مسيرة العودة الى العرب واستعادتهم الى لبنان أمس بزيارة الرئيس جوزاف عون الى المملكة العربية السعودية، ولا بمشاركته، اليوم بالذات، في مؤتمر القمة العربية الطارئة في القاهرة التي دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى انعقادها لمعالجة الشؤون الطارئة والمستجدات، بما فيها العدوان الإسرائيلي على لبنان، إذ هي بدأت في أول كلمة ألقاها الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم، سيان أكانت تتناول العلاقات اللبنانية – العربية مباشرة أو كانت تركّز على الداخل اللبناني، وبالذات الفقرات ذات البعد الإصلاحي عموماً. ذلك أن الخطاب رسم مساراً لبنانياً واضحاً لم يكن الأشقاء العرب ليطلبوا سواه شيئاً: فهم يريدون لبنان وطناً للعيش الحقيقي، وللحياد في ما بينهم، وألّا ينتهج سياساتٍ تؤذيهم أيّاً كان مصدرها الخ… كما يريدونه آمناً ومزدهراً ومستقراً، فلا يكون ممراً أو مقرّاً لمن يسيء إليهم أو يترصد بهم شراً.
وما يطلبه الأخوة العرب ليس بكثير ولا هو متعذر، والعكس صحيح، لأنه في متناول اليد إذا حسنت النيات وتوافر ثمة توافق وإرادة على إنقاذ هذا الوطن الذي تحمّل شعبه الكثير والأكثر، وعانى جراء الفساد والانهيار شتّى أنواع القهر والفقر وتذيُّل لائحة البلدان المتخلفة، الفاسدة… مع فارق أن اللبنانيين عرفوا حِقَباً من الازدهار والبحبوحة، وليس هو البلد الفقير، ولكن الممارسات التي درجت على اعتمادها الطبقة السياسية منذ عقود ما بعد الحرب أوصلتنا الى ما نحن فيه من تردّ على الصعدان كافة.