استوقفني الكلام، بالغ الأهمية، الذي تميزت به مداخلة الرئيس جوزاف عون مع نظيره الفرنسي من على منبر قصر الإليزيه اثر القمة التي جمعتهما، أمس، في باريس، والتي أصبح جانبٌ منها خماسياً، بعد أن شارك فيها، عن بُعد، رؤساء سوريا وقبرص واليونان.
من زمان لم نستمع الى كلام رئاسي لبناني مباشر جداً يجمع بين عِبر التاريخ وظروف الحاضر واستقراء المستقبل، وهذا ما استمعنا اليه، أمس، من رئيس لبنان في وضوح خلّاق، وتصميم حازم، وعزم على التنفيذ… فلا مجاملات سخيفة ولا سطحية تافهة، ولا لغة خشبية. ولقد نفتح هلالين لنقول إن من مزايا الرئيس عون الكثيرة أنه يجيد انتقاء مستشاريه. وهذه فضيلة في أي حاكم ومسؤول.
وكان لافتاً بفجاجة مخزية أن الجهة التي وقّتت إطلاق الصواريخ من لبنان نحو فلسطين المحتلة مع إقلاع طائرة رئيس الجمهورية الى فرنسا كانت تستهدف الحرتقة على الزيارة، ولكنها لم تكن تهدف الإساءة الى الاحتلال بأي شكل من الأشكال، بل لعلها كانت تقدم له خدمة وذريعة لردود فعله التي ترجمها بسلسلة اعتداءات على ضاحية العاصمة وعلى الجنوب أيضاً، في وقت يعرف الجميع أن ليس لحزب الله أي علاقة بمنصّتَي الصواريخ أمس وقبل أيّام.
ولقد يكون ضرورياً أن تُكشف الجهة (أو الجهات) التي تقف وراء هاتين العمليتَين المشبوهتين واللتين لا يُقدم على الإتيان بمثلهما، في الظروف الموضوعية الحالية، إلّا عميل كامل أوصاف العمالة للعدو الإسرائيلي.
وبمسؤولية نقول: مع تقديرنا الكبير وحبنا الأكيد لجيشنا اللبناني، فإننا لا نكتفي بأن يعلن أنه عثر على المنصتين اللتين أُطلقت منهما الصواريخ نحو فلسطين المحتلة، إذ يجب توفير المعطيات كلها، وبذل الجهود بأقصاها لتحديد الفاعلين وتعميم أسمائهم وكشف ارتباطاتهم لتسمية الجهات التي تقف وراءهم وتوظفهم لتأدية هكذا أدوار خبيثة، تمهيداً لاتخاذ الاجراءات، التي لا بد من اتخاذها، ليكون هؤلاء عبرة لمن يعتبر.
وفي المناسبة، إن الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً الاحتلال، يستطيعان، بما يملكان من تقنيات متطورة، أن يُحصيا الأنفاس ويصوّرا بالأقمار الصناعية، ومن خلال غيرها من وسائل، النملةَ التي تدب على الأرض، فهل يتعذر عليهما تحديد مَن يقف وراء الصواريخ… فلماذا لا يفعلان؟!. هذا هو السؤال المركزي… أو ربّما فعلا ذلك وتوصّلا الى كشف الحقيقة، ولكنهما يحجبانها لأسباب ودوافع!