شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – عن الهجرة والانتشار

أستميح القارئ عذراً لأتناول، في هذه العجالة، موضوع الهجرة اللبنانية القديمة والإغتراب الذي أطلقنا عليه، في السنوات الأخيرة، تسمية الإنتشار، لأنني سأتناول مثالَين على صلة بي.

في مثل هذا اليوم من العام الماضي انتقل الى رحمته تعالى صهري، زوج شقيقتي سهام، المرحوم يوسف عفيف، الذي تؤكد مسيرة حياته على تعلق المهاجرين بلبنان . فقد أصرّا، هو وزوجته، على العودة الى لبنان، قبل أكثر من عشر سنوات، ليمضيا فيه ما تبقى من العمر، و «كي لا يبقى الحنين كلاماً بكلام»، كما كان يردد أمامي في أواخر عمره.

وبالرغم من التقدم في العمر، تخلى يوسف عفيف عن معمل الثياب وعن المطعم اللبناني الشهير في سان باولو، عاصمة البرازيل الاقتصادية والسياحية، وعاد وزوجته الى «عرجس» في قضاء زغرتا، وحوّل أحد منزليه الى فيلا جميلة، وطوّر الثاني وأنشأ فيه مطبخاً منزلياً قد لا يتوافر مثله في أي مطعم كبير، تأكيداً على حسن الضيافة، زوده بفرن كبير وباربكيو يعمل بالطاقة الكهربائية الخ… وحوّل الأراضي التي كانت قاحلة، في جوار البيت، الى جنة من الأشجار والمزروعات المثمرة، مستخدماً أحدث آلات الزراعة(…).

ولأن الحديث عن البرازيل والهجرة القديمة أذكر أن ثلاثةً من أشقاء المرحومة والدتي السبعة سافروا الى البرازيل، بحراً، في النصف الأول من القرن العشرين الماضي، بطرس وبولس وميشال أبناء جدي طيّب الذكر الخوري يوحنا سمعان الذي غادر الدنيا عن مئة وعشرين عاماً أمضاها في أعمال البرّ وخدمة الله والإنسان (وهو من «عيمار: البلدة اللبنانية المليئة بالآثار الرومانية والتي تمتاز بمناخ صخري ناشف لا يعرف الرطوبة وبأهم محمية حرج صنوبر في لبنان، وهي امتداد جغرافي لقضاء زغرتا الزاوية، ولكنها تتبع إدارياً قضاء الضنية مثل جاراتها البلدات المارونية الأخرى: كرم المهر وبحويتا وكهف الملول وزغرتغرين)، وكانوا من الشباب المتعلمين، وانخرطوا في المجتمع البرازيلي من دون أن يتخلوا عن هويتهم اللبنانية، وانتُخِب نجل أحدهم نائباً فيدرالياً، وتولّى كذلك مسؤولية التفاوض باسم دولة البرازيل مع صندوق النقد الدولي، مشرفاً على جدولة ديون البرازيل تجاه الصندوق، في ذلك الحين.

والبحث يطول في هذا السياق.

وبعد، لقد طرأت «ثغرة» على ذاكرة المسؤولين اللبنانيين مِن رؤساء ومَن دونهم، بعد إقرار دستور الطائف، فلقد ندر، قبل ذلك، أن يخلو خطاب رئاسي أو رسالة الى اللبنانيين، من دون ذكر المغتربين، بل كان كل خطاب ورسالة يتوّجان بالعبارة الاتية «أيها اللبنانيون، مقيمين ومغتربين»، ومن أسفٍ أننا افتقدنا هذه الأدبيات منذ عقود، في وقتٍ ندرك أن الضائقة التي تشد الخناق على اللبنانيين لا يحدّ منها إلّا ما يمدّ به المنتشرون ذويهم في الوطن الأم من دعم ومساعدة.

khalilelkhoury@elshark.com