شروق وغروب – بقلم خليل الخوري – على خطى المعلّم: فرنسيس المحبة والسلام

لأول مرة يبدو الإجماع العالمي على الإشادة بشخصيةٍ ما صادقاً بامتياز. اعتدنا على اللياقات الديبلوماسية والاجتماعية والإنسانية في رحيل شخصيةٍ ما، لا سيما اذا كانت من مستوى الراحل الكبير قداسة البابا فرنسيس الأول. ولكن هذه المرة بدا الكلام صادراً من أعماق الوجدان، من مسيحيين ومسلمين وبوذيين وعبدة أوثان ولادينيين الخ… لأن فرنسيس عاش على رأس السدة البابوية في تطابق مثالي بين القول والفعل.

لم يترك الملوك والرؤساء والحكام والمثقفون وقادة الرأي، في الزوايا الأربع من المعمورة مجالاً لأي كلمة أو توصيف أو إيجابية إلّا قالوها في هذا الرجل العظيم المتواضع الذي أحب الناس أجمعين، ومن موقعه في أرفع حاضرة في المسكونة ساند قضايا الحق وندد بالحروب والاعتداءات ولم يتردد عن نصرة غزة كما لم يغب لبنان عن قلبه وصلواته ومن أسف أنه قضى قبل أن يتمكن من زيارة وطننا.

ومن حسن الطالع أنه قُيّض لي، وزوجتي، أن نلتقي قداسته في القاعة الكبرى من الفاتيكان يوم استقبلَنا وفداً كبيراً من جامعة آل خوري في لبنان والعالم، وأعرب لنا عن كبير حبه لوطننا الذي يصلي له منذ كان رئيساً لأساقفة الأرجنتين، أقام على مكتبه المتواضع جداً مجسّداً للقديس شربل أهدته اياه جامعتنا. وبعد نحو نصف ساعة قدم لكل منا، بيده المباركة، مسبحة صلاة، خاتماً هذا اللقاء بالقول لنا: صلّوا لأجلي.

يمكن كتابة المجلّدات في هذا الراحل الكبير، فقط أقول إنه أمضى حياته على خطى المعلم الذي اختصر رسالته بمحبة الآخر، خصوصاً الآخر المظلوم والمأزوم والضعيف والمحتاج… والمثال الصارخ ما ورد في إنجيل متى :

تَعَالَوْا يا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ.. لِأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي.

مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ ٱلْأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ وَيَقُولُ لَهُمُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلَاءِ ٱلْأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.

 «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يا مَلَاعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلْأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ، لِأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي.حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟

فَيُجِيبُهُمْ قَائِلًا: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلَاءِ ٱلْأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هَؤُلَاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلْأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».

khalilelkhoury@elshark.com