لم يسبق أن كان مصير المنطقة، ولا سيما الشرق الأدنى منها، مطروحاً كما هو اليوم، والتحول الكبير الذي حدث بإسقاط نظام بشار الأسد لا يزال في بدايته. ولو ألقينا نظرة سريعة على ما تتناوله وسائط الإعلام العالمية، وبخاصة الغربية، لوجدناها تتقاطع عند نقطة واحدة، وتتفاوت استنتاجاتها عند نقط عديدة. أمّا التلاقي والتقاطع فعلى أن رحيل النظام الأسدي هو ضرورة في المبدأ والمطلق، وفي التفاصيل كذلك. فما تبين من فظائع قمع الحريات والجرائم المرتكَبة على صعيد السجون والزنزانات والمعتقلات (الخ …) يندى له جبين الإنسانية. وبعض الوقائع يتجاوز قدرة العقل على الاحتمال… وحتى الذين يدافعون عن الحكم السابق لم يستطيعوا أن يتناولوا مسألة الحريات والرأي إلّا من باب القول الواهي: «روحوا شوفوا ما هي الأوضاع في أنظمة أخرى» يذكرونها بالاسم وبينها أنظمة عربية بعينها. وكأن هذا الدفاع السخيف يبرّر ما شاهدناه من تجاوزات تقشعر لها الأبدان. أو أن يقولوا: «إن بشار لم يكن يطلع على الوقائع»، وهذا عذر أقبح من ذنب على قاعدة «إن كنت تدري فتلك مصيبة…».
أمٍا ما يطرحه ويختلف حوله كبار المحللين وأصحاب الأقلام البارزة، فيمكن تلخيصه في الآتي:
أولاً – إن افتقاد الثوار ما يجمع بينهم، بإستثناء معارضة بشار الأسد، ترى فيه القلّة من المحللين دليل عافية فيما تراه الأكثرية بداية اختلاف كبير على قاعدة «الثورة تأكل أبناءها». وهذا سيبقي سوريا في اضطراب دائم.
ثانياً – (واستطراداً) إمكانية تحول الخلافات الى حرب بين أطراف المعارضة، وربما الى حروب تبدأ ولا تنتهي.
ثالثاً – نقطة أخرى هي مدار خلاف جذري بين الطرف الذي تسلم مقاليد الحكم و «قسد» الكردية، لأن الأكراد لن يرتاحوا قبل أن يقيموا كياناً لهم أقل ما يقبلون فيه الحكم الذاتي.
رابعاً – الى أي مدى ستقبل دول عربية وازنة جداً (المملكة العربية السعودية ومصر على سبيل المثال) أن تتحول سوريا الى مرمح للخيول التركية…
خامساً – العلاقة مع العراق مضطربة بشدة، وهذا سيكون له تأثير كبير على استقرار النظام الجديد.
وأخيراً وليس آخراً، ويجب أن يكون أولاً، لشدة أهميته وخطورته، فهو ما قامت به إسرائيل من تصرفات تجاوزت الخروقات بكثير، لا سيما بعد احتلال العدو مواقع إستراتيجية مهمة جداً. وهذه واحدة من نقط الضعف ذات التأثير الكبير على انطلاق ومسار الثورة في بداية حكمها.
تلك عيّنة من النقط التي يُركّز عليها المراقبون ولا يجمعون على موقف منها.
… ولكن سوريا ليست في جزيرة معزولة، فهي قلب نابض في منطقة تغلي على الاحتمالات كلها.