منذ أن وعينا السياسة وحتى اليوم، كانت ولا تزال عبارة «حكومة التكنوقراط» تُردّد على كل شفة ولسان مع تأليف الحكومات في لبنان، بين مؤيد ومعارض، بين مَن يقول بها كلّياً، أي جميع الوزراء من الاختصاصيين التقنيين، ومَن يقول أن تكون مختلَطة من سياسيين وتقنيين.
وفي تقديرنا أن هذه الأقوال ليست سوى مجرّد «صفّ حكي» ولا فائدة منها على الصعيد العملي والأهداف المرجوّة. تدليلاً على ذلك نورد النقط الآتية:
أوّلاً – المطالبون بحكومات التكنوقراط هدفهم عدم تسييس العمل التنفيذي، وعليه اذا رشّحَ حزبٌ ما طبيباً ليشغل وزارة الصحة، وخبيراً في تربية الأسماك أو تربية الأبقار أو مزارعَ حمضيات لوزارة الزراعة، ومهندساً لوزارة الأشغال، ومعلّمّ مدرسة ناجحاً ليتولى شؤون التربية والتعليم، ومديرَ مكتبة لوزارة الثقافة الخ… فهل تستقيم الأمور وتصبح الوزارات أكثر جدوى وفعاليةً وإنتاجاً؟!.
ثانياً – وهل أن هكذا نوعاً من الوزراء يطلبون أن يكونوا مسيَّسين وحزبيين بعد أن تحل عليهم بركة تعيينهم وزراء؟ أي هل ينسون أن حزبهم (وقل أحزابهم) لم تعد له علاقة بها؟
ثالثاً – باستثناء قلّة نادرة من التكنوقراطيين الذين عُينوا وزراء في حكومات لبنانية، وغير لبنانية كذلك، (على سبيل المثال وزير الصحة الراحل المرحوم الطبيب اميل بيطار في عهد الرئيس المرحوم سليمان فرنجية الذي لا يتكرّر، وقد ضاق به صدر أهل السياسة ودفعوه الى الاستقالة بعدما فضح ألاعيبهم وخزعبلاتهم). نقول باستثناء قلة تبين أن التقنيين فاشلون في الوزارة ولو كانوا ناجحين حتى التفوق في مجالات اختصاصاتهم.
رابعاً – الحكم سياسة، لا سيما في لبنان، ولو في الوجه القبيح من أوجه السياسة، واللبنانيون مسيّسو الاتجاهات والانتماءات. وأسوأ المطروح أن يقدّم جهابذة السياسة مرشحيهم الى عضوية حكومات التكنوقراط!
خامساً – في بلدان العالم المصنّفة «عالماً أوّلَ»، يعينون امرأة وزيرةً للدفاع مثلاً من دون أن تكون خبيرة في شؤون الحروب والقتال والأسلحة وتطوره… ذلك أن الأمور التقنية هي من اختصاص الإدارات والمجالس والهيئات والمؤسسات التابعة لكل وزارة .
وأخيراً وليس آخراً، نستعيد ما قاله الرئيس كميل شمعون رحمه الله يوم كان الكلام على حكومة تكنوقراط وأعتذر سلفاً عن المضمون: «عندما كنا خبراء بالقراط وين كانوا هالقرطة».
khalilelkhoury@elshark.com