اتخذت الحرب الدائرة على الحدود اللبنانية – السورية منحى جديداً ذا طابع رسمي عسكري، في ضوء البيانات التي تُصدَر من الجانبيَين لتوصيف الحال المأزومة جدّاً. صحيح أن اللهجة من قِبل جهتَي المواجهة لا تزال مدروسة بدقة، وهي تعتمد «منطق» السيادة والدفاع عن النفس. إلّا أن المتابع يلمس منسوباً من التصعيد ولو بارتفاع محدود في موازاة التصعيد الميداني على الأرض.
قد يكون من الجهل (وأقلّه من التجاهل) التنكر للماضي القريب الناجم عن انخراط حزب الله في الحرب السورية التي لم تضع أوزارها بعد بالرغم من سقوط نظام آل الأسد وقيام النظام الجديد الحالي بزعامة الرئيس الموقت أحمد الشرع، ولكن ليس منطقياً الأخذ بالسردية السورية التي تقول إن الحزب هو الذي افتعل الإشكالات التي أدّت الى المواجهة المرشّحة الى أن تتحول الى حرب مفتوحة بين الجيشين اللبناني والسوري. فليس للحزب أي مصلحة فيها.
والواقع أن هذه التطورات العسكرية انطلقت من صراع بين عصابات المخدرات والتهريب على أنواعه بين ميليشيات سورية ومجموعات لبنانية مدنية بعضهم من بيئة حزب الله في شرقي الحدود، والبعض الآخر ينتمي الى بيئة مختلفة في الحدود الشمالية. ويقتضي الإنصاف القول إن مثل هذه المواجهات لم تنقطع منذ ما قبل قيام النظام الجديد في سوريا، ولكنها كانت تحت القدرة على ضبطها لأسباب عديدة لا مجال للتوسع فيها الآن، ولكنها اتخذت هذه المرة بعداً مختلفاً لحساسيات وخلفيات مذهبية وثأرية، ناهيك بصراع المصالح المباشرة بين العصابات والمافيات، ما أدّى التمادي فيه الى استدراج القوى العسكرية الرسمية من الجانبين.
وهنا مكمن الخطر بعدما سَجِّلت إصابات في الجهتَين بعضها قاتل. وفي تقديرنا والمعلومات الأكيدة أن الجيش اللبناني لا يريد لهذه المواجهة أن تمتد وتتفاقم بين البلدين الشقيقين، ولكنه لن يقف متفرِّجاً على الخروقات اليومية. وهذا الموقف أُبلِغ الى الجانب السوري بوسائل مباشرة وعبر أطراف. وإذا كان ثمة مَن يأخذ على جيشنا أنه يتصدّى لخرق السيادة الوطنية على الحدود الشمالية ويتغاضى عنها جنوباً، فالجواب واضح وخلاصته أن معالجة الخروقات الإسرائيلية جنوباً هي (حتى إشعار آخر) من صلاحية اتفاقيات وقوى أممية… في وقت يحشد الجانب السوري قواته على حدودنا ولا يحرك ساكناً بإتجاه الاجتياح الإسرائيلي المتمادي للأراضي السورية، بل يغض الطرف عنه وكأن شيئاً لا يحدث هناك.
في أي حال فإن هكذا وضعاً متأزماً يقتضي من دون أي تردد أو تلكؤ وضع العلاقات اللبنانية ـ السورية على طاولة مفاوضات فورية تبدأ عند ترسيم الحدود البرية والبحرية وتمر باتفاقات الإذعان التي فُرضت على لبنان ولا تتوقف عند معضلة النزوح السوري الذي لم يعد له أي مبرّر أو ذريعة للبقاء عندنا، وهو يهدد لبنان بأزمات مصيرية ووجودية.
khalilelkhoury@elshark.com