يتصرف اللبنانيون، وبالذات المسؤولون والأحزاب والقيادات والزعماء والمتزعمون(…)، وكأن أزمة النزوح السوري نبتت فجأة في وجه الوطن ووجوههم البهية، باستثناء قلة منهم عكفت على التقدم بأفكار وحتى باقتراحات قوانين منذ سنوات. لذلك نرى أنفسنا في مواجهة هذه الفوضى العارمة في معالجة هذه الأزمة المفترَض أنها وجودية مصيرية، وهي كذلك بامتياز.
الكثيرون فضحتهم هذه الأزمة وعرّتهم من ورقة التين لتكشفهم على حقيقتهم البشعة، وليكتشفوا (متأخّرين جداً، من أسفٍ شديد)، أن اللعب في المسائل والقضايا المصيرية ليس مزحةً، وأن التشاطر والمزايدات وتقديم المصالح الآنية والذاتية على مصلحة الوطن هو بمثابة اللعب بالنار التي لا تكتفي بأن تحرق أصابع اللاعبين وحسب، بل إن لهيبها يشعل هشيم بلدٍ قابل أساساً للاشتعال.
أين كانت حميّتُهم منذ بداية الأزمة حتى اليوم؟ لماذا تمادوا في خلافاتهم وتناولوا هكذا أمراً بالغ الخطورة والدقة بالنفاق والمزايدات وتبييض الوجوه التي يعجز عن تبييضها حتى مستحضر Eau De Javel.
لقد تابعناكم طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وعرفنا فيكم دوافعكم والأسباب، إذ إن بينكم الذي يريد أن يقدّم أوراق اعتماده الى النظام السوري، وغيره الى معارضي هذا النظام، وذلك الذي يقدمها الى الأميركي والأوروبي، والرابع الذي يسعى لتوظيف ورقة النزوح في لعبة المصالح إلخ… وقد فاتكم أنكم صغار تتحركون في ملاعب الكبار. والموجع أن أصحاب هذا النمط من الحراك تتقاذفهم أرجل اللاعبين الكبار. أمّا الموجع فإن الذي تتقاذفه الأزمات المصيرية هو لبنان الذي قال الرئيس نبيه بري، أمس، إنه ليس مفلساً، صحيح! إنه ليس مفلساً في قدراته المالية، ولكنه مفلس في رجالات الدولة. والأكثر إيلاماً أن ثرواته في أيدي العصابات المتحكمة به التي «حرقت سلّاف» الشعب جوعاً وقهراً وتشرّداً في أصقاع المعمورة، بعد أن سلبته كلّ شيء، بالمعنى الكامل للكلمة، ليس فقط في الماديات والحياة الكريمة، إنما كذلك في ضرب مقومات النهوض الثقافية والسياحية والاستشفائية والإعلامية والإنسانية(…)، وتركته يعاني الفقر والعوَز والقهر والحرمان، والجريمة الفردية وتلك المنظَّمة التي بلغت، مع النزوح، مستوىً مرعباً.
وأمّا المليار يورو فليست أكثر من علامة صغيرة في مسار مأساوي طويل.